فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{فَٱسۡتَقِمۡ كَمَآ أُمِرۡتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطۡغَوۡاْۚ إِنَّهُۥ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (112)

ثم أمر سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم بكلمة جامعة لأنواع الطاعة له سبحانه ، فقال : { فاستقم كَمَا أُمِرْتَ } أي : كما أمرك الله ، فيدخل في ذلك جميع ما أمره به وجميع ما نهاه عنه ، لأنه قد أمره بتجنب ما نهاه عنه ، كما أمره بفعل ما تعبده بفعله ، وأمته أسوته في ذلك ، ولهذا قال : { وَمَن تَابَ مَعَكَ } أي : رجع من الكفر إلى الإسلام ، وشاركك في الإيمان ، وهو معطوف على الضمير في فاستقم ؛ لأن الفصل بين المعطوف والضمير المرفوع المعطوف عليه يقوم مقام التأكيد : أي : وليستقم من تاب معك ، وما أعظم موقع هذه الآية وأشدّ أمرها ، فإن الاستقامة كما أمر الله لا تقوم بها إلا الأنفس المطهرة ، والذوات المقدسة ، ولهذا يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم : «شيبتني هود » كما تقدّم { وَلاَ تَطْغَوْا } الطغيان : مجاوزة الحد ، لما أمر الله سبحانه بالاستقامة المذكورة بين أن الغلوّ في العبادة ، والإفراط في الطاعة على وجه تخرج به عن الحد الذي حدّه ، والمقدار الذي قدّره ممنوع منه منهيّ عنه ، وذلك كمن يصوم ولا يفطر ، ويقوم الليل ولا ينام ، ويترك الحلال الذي أذن الله به ورغب فيه ، ولهذا يقول الصادق المصدوق فيما صح عنه :

«أما أنا فأصوم وأفطر ، وأقوم وأنام ، وأنكح النساء ؛ فمن رغب عن سنتي فليس مني » والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ولأمته تغليباً لحالهم على حاله ، أو النهي عن الطغيان خاص بالأمة { إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } يجازيكم على حسب ما تستحقون ، والجملة تعليل لما قبلها .

/خ115