اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهۡلِكَ ٱلۡقُرَىٰ بِظُلۡمٖ وَأَهۡلُهَا مُصۡلِحُونَ} (117)

قوله تعالى : { وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القرى بِظُلْمٍ } الآية .

في " لِيُهْلِكَ " الوجهان المشهوران ، وهما : زيادة اللام في خبر : " كان " دلالةً على التَّأكيد- كما هو رأي الكوفيين- أو كونها متعلقة بخبر " كان " المحذوف ، وهو مذهبُ البصريين ، و " بِظُلْمِ " متعلق ب " يُهْلِكَ " والباءُ سببيةٌ ، وجوَّز الزمخشريُّ أن تكون حالاً من فاعل " لِيُهْلِكَ " ، وقوله " وأهْلُهَا مُصْلِحُون " جملة حالية .

فصل

قيل : المرادُ بالظلم هنا : الشرك ، قال تعالى : { إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [ لقمان : 13 ] والمعنى : أنه تعالى لا يهلك أهل القرى بمجرد كونهم مشركين إذا كانوا مصلحين في المعاملات فيما بينهم ، ولهذا قال الفقهاءُ : إنَّ حقوق الله مبناها على المسامحِة ، وحقوق العباد بمناها على التَّضييقِ والشح ، ويقالُ : إنَّ الملك يبقى مع الكفر ولا يبقى مع الظُّلم ، ويدلُّ على هذا التأويل أنَّ قوم هود ، وصالح ، ولوط ، وشعيب إنَّما نزل بهم عذابُ الاستئصال ، لما حكى الله تعالى عنهم من إيذاءِ النَّاس وظلم الخلق وهذا تأويل أهل السنة وقالت المعتزلة : إنَّهُ تعالى لو أهلكهم حال كونهم مصلحين لكان ظلماً ، ولمَّا كان متعالياً عن الظلم ، لا جرم أنَّهُ إما يهلكهم لأجل سُوء أفعالهم .

وقيل : معنى الآية : أنَّهُ لا يُهلكُهُمْ بظلم منه ، وهم مُصْلِحونَ في أعمالهم ، ولكن يهلكهم بكفرهم وركوبهم السَّيئات ، وهذا بمعنى قول المعتزلة .