فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَإِنَّ كُلّٗا لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمۡ رَبُّكَ أَعۡمَٰلَهُمۡۚ إِنَّهُۥ بِمَا يَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ} (111)

ثم جمع الأوّلين والآخرين في حكم توفية العذاب لهم ، أو هو والثواب فقال : { وَإِنَّ كُلاًّ لَما لَيُوَفّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ } قرأ نافع وابن كثير وأبو بكر «وإن » بالتخفيف على أنها إن المخففة من الثقيلة وعملت في { كلا } النصب ، وقد جوّز عملها الخليل وسيبويه ، وقد جوّز البصريون تخفيف إنّ مع إعمالها ، وأنكر ذلك الكسائي وقال : ما أدري على أيّ شيء قرئ { وإن كلا } ؟ وزعم الفراء أن انتصاب كلاّ بقوله : ليوفينهم ، والتقدير : وإن ليوفينهم كلا ، وأنكر ذلك عليه جميع النحويين .

وقرأ الباقون بتشديد { إن } ونصبوا بها كلا . وعلى كلا القراءتين فالتنوين في { كلا } عوض عن المضاف إليه : أي وإن كل المختلفين . وقرأ عاصم وحمزة وابن عامر { لما } بالتشديد ، وخففها الباقون . قال الزجاج : لام لما لام إن ، و ما زائدة مؤكدة ، وقال الفراء : ما بمعنى من كقوله : { وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن لَيُبَطئَنَّ } أي : وإن كلاً لمن ليوفينهم ! وقيل : ليست بزائدة بل هي اسم دخلت عليها لام التوكيد ، والتقدير : وإن كلاً لمن خلق . قيل : وهي مركبة ، وأصلها لمن ما ، فقلبت النون ميماً واجتمعت ثلاث ميمات ، فحذفت الوسطى حكي ذلك النحاس عن النحويين . وزيف الزجاج هذا وقال : من اسم على حرفين فلا يجوز حذف النون . وذهب بعض النحويين إلى أن لما هذه بمعنى إلا ، ومنه قوله تعالى : { إِن كُلُّ نَفْسٍ لَمَا عَلَيْهَا حَافِظ } وقال المازني : الأصل لما المخففة ثم ثقلت . قال الزجاج : وهذا خطأ ، إنما يخفف المثقل ولا يثقل المخفف . وقال أبو عبيد القاسم بن سلام : يجوز أن يكون التشديد من قولهم : لممت الشيء ألمه : إذا جمعته ، ثم بنى منه فعلى كما قرئ : { ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى } وأحسن هذه الأقوال أنها بمعنى إلا الاستثنائية . وقد روي ذلك عن الخليل ، وسيبويه ، وجميع البصريين ، ورجحه الزجاج ويؤيده أن في حرف أبيّ «وإن كلا إلا ليوفينهم » كما حكاه أبو حاتم عنه . وقرئ بالتنوين : أي جميعاً . وقرأ الأعمش «وإن كل لما » بتخفيف إن ورفع كل وتشديد لما ، وتكون إن على هذه القراءة نافية { إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ } أيها المختلفون { خَبِير } لا يخفى عليه منه شيء ، والجملة تعليل لما قبلها .

/خ115