فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَٱصۡبِرۡ وَمَا صَبۡرُكَ إِلَّا بِٱللَّهِۚ وَلَا تَحۡزَنۡ عَلَيۡهِمۡ وَلَا تَكُ فِي ضَيۡقٖ مِّمَّا يَمۡكُرُونَ} (127)

ثم أمر الله سبحانه رسوله بالصبر فقال : { واصبر } على ما أصابك من صنوف الأذى { وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بالله } أي : بتوفيقه وتثبيته . والاستثناء مفرغ من أعمّ الأشياء ، أي : وما صبرك مصحوباً بشيء من الأشياء إلاّ بتوفيقه لك . وفيه تسلية للنبيّ صلى الله عليه وسلم . ثم نهاه عن الحزن فقال : { وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ } أي : على الكافرين في إعراضهم عنك ، أو لا تحزن على قتلى أحد ، فإنهم قد أفضوا إلى رحمة الله . { وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ ممَّا يَمْكُرُونَ } قرأ الجمهور بفتح الضاد ، وقرأ ابن كثير بكسرها . قال ابن السكيت : هما سواء ، يعني : المفتوح والمكسور . وقال الفراء : الضيق بالفتح : ما ضاق عنه صدرك ، والضيق بالكسر : ما يكون في الذي يتسع ، مثل الدار والثوب . وكذا قال الأخفش ، وهو من الكلام المقلوب ؛ لأن الضيق . وصف للإنسان يكون فيه ولا يكون الإنسان فيه ، وكأنه أراد وصف الضيق بالعظم حتى صار كالشيء المحيط بالإنسان من جميع جوانبه ، ومعنى { مما يمكرون } : من مكرهم لك فيما يستقبل من الزمان .

/خ128