آياتها مائة وإحدى عشرة آية ، وهي مكية إلا ثلاث آيات قوله عز وجل { وإن كادوا ليستفزونك } نزلت حين جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد ثقيف ، وحين قالت اليهود : ليست هذه بأرض الأنبياء ، وقوله : { وقل رب أدخلني مدخل صدق } .
وقوله : { إن ربك أحاط بالناس } وزاد مقاتل قوله : { إن الذين أوتوا العلم من قبله } . وأخرج النحاس وابن مردويه عن ابن عباس قال : نزلت سورة بني إسرائيل بمكة . وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله . وأخرج البخاري وابن الضريس وابن مردويه عن ابن مسعود قال : في بني إسرائيل والكهف ومريم ، إنهن من العتاق الأول وهن من تلادي . وأخرج أحمد والترمذي وحسنه والنسائي والحاكم وابن مردويه عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ كل ليلة بني إسرائيل والزمر . وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي عمرو الشيباني قال : صلى بنا عبد الله الفجر فقرأ السورتين الآخرة منهما بنو إسرائيل .
قوله : { سُبْحَانَ الذي أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً } هو مصدر سبح ، يقال : سبح يسبح تسبيحاً وسبحاناً ، مثل كفر اليمين تكفيراً وكفراناً ، ومعناه التنزيه والبراءة لله من كل نقص . وقال سيبويه : العامل فيه فعل لا من لفظه ، والتقدير : أنزه الله تنزيهاً ، فوقع سبحان مكان تنزيهاً ، فهو على هذا مثل قعد القرفصاء واشتمل الصماء ؛ وقيل : هو علم للتسبيح كعثمان للرجل ، وانتصابه بفعل مضمر متروك إظهاره تقديره أسبح الله سبحان ، ثم نزل منزلة الفعل وسدّ مسدّه ، وقد قدّمنا في قوله : { سبحانك لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا } [ البقرة : 32 ] . طرفاً من الكلام المتعلق بسبحان . والإسراء قيل : هو سير الليل ، يقال : سرى وأسرى ، كسقى وأسقى لغتان ، وقد جمع بينهما الشاعر في قوله :
حي النضير وربة الخدر *** أسرت إليّ ولم تكن تسري
وقيل هو سير أوّل الليل خاصة ، وإذا كان الإسراء لا يكون إلاّ في الليل فلا بدّ للتصريح بذكر الليل بعده من فائدة ، فقيل : أراد بقوله { ليلاً } تقليل مدّة الإسراء ، وأنه أسرى به في بعض الليل من مكة إلى الشام مسافة أربعين ليلة . ووجه دلالة { ليلاً } على تقليل المدّة ما فيه من التنكير الدالّ على البعضية ، بخلاف ما إذا قلت : سريت الليل فإنه يفيد استيعاب السير له جميعاً . وقد استدلّ صاحب الكشاف على إفادة ليلاً للبعضية بقراءة عبد الله وحذيفة ( من الليل ) . وقال الزجاج : معنى { أسرى بعبده ليلاً } سير عبده ، يعني : محمداً ليلاً ، وعلى هذا فيكون معنى أسرى : معنى سير ، فيكون للتقيد بالليل فائدة ، وقال : { بعبده } ولم يقل : بنبيه أو رسوله ، أو بمحمد تشريفاً له صلى الله عليه وسلم . قال أهل العلم : لو كان غير هذا الاسم أشرف منه ، لسماه الله سبحانه به في هذا المقام العظيم ، والحالة العلية :
لا تدعني إلا بيا عبدها *** فإنه أشرف أسمائي
ادعاء بأسماء نبزا في قبائلها *** كأن أسماء أضحت بعض أسمائي
{ منَ المسجد الحرام } قال الحسن وقتادة : يعني المسجد نفسه ، وهو ظاهر القرآن . وقال عامة المفسرين : أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم من دار أم هانئ ، فحملوا المسجد الحرام على مكة ، أو الحرام ، لإحاطة كل واحد منهما بالمسجد الحرام ، أو لأن الحرم كله مسجد . ثم ذكر سبحانه الغاية التي أسرى برسوله صلى الله عليه وسلم إليها فقال : { إلى المسجد الأقصى } وهو بيت المقدس . وسمي الأقصى لبعد المسافة بينه وبين المسجد الحرام ، ولم يكن حينئذٍ وراءه مسجد ، ثم وصف المسجد الأقصى بقوله : { الذي بَارَكْنَا حَوْلَهُ } بالثمار والأنهار والأنبياء والصالحين ، فقد بارك الله سبحانه حول المسجد الأقصى ببركات الدنيا والآخرة . وفي { باركنا } بعد قوله { أسرى } التفات من الغيبة إلى التكلم . ثم ذكر العلة التي أسرى به لأجلها فقال : { لِنُرِيَهُ مِنْ آياتنا } أي : ما أراه الله سبحانه في تلك الليلة من العجائب التي من جملتها قطع هذه المسافة الطويلة في جزء من الليل { إنَّهُ } سبحانه { هُوَ السميع } بكل مسموع ، ومن جملة ذلك قول رسوله صلى الله عليه وسلم { البصير } بكل مبصر ، ومن جملة ذلك ذات رسوله وأفعاله .
وقد اختلف أهل العلم هل كان الإسراء بجسده صلى الله عليه وسلم مع روحه ، أو بروحه فقط ؟ فذهب معظم السلف والخلف إلى الأوّل ، وذهب إلى الثاني طائفة من أهل العلم منهم عائشة ، ومعاوية ، والحسن ، وابن إسحاق ، وحكاه ابن جرير عن حذيفة بن اليمان ، وذهبت طائفة إلى التفصيل فقالوا : كان الإسراء بجسده يقظة إلى بيت المقدس ، وإلى السماء بالروح ، واستدلوا على هذا التفصيل بقوله : { إلى المسجد الأقصى } ، فجعله غاية للإسراء بذاته صلى الله عليه وسلم . فلو كان الإسراء من بيت المقدس إلى السماء ، وقع بذاته لذكره ، والذي دلت عليه الأحاديث الصحيحة الكثيرة هو ما ذهب إليه معظم السلف والخلف من أن الإسراء بجسده وروحه يقظة إلى بيت المقدس ، ثم إلى السماوات ، ولا حاجة إلى التأويل وصرف هذا النظم القرآني وما يماثله من ألفاظ الأحاديث إلى ما يخالف الحقيقة ، ولا مقتضى لذلك إلاّ مجرد الاستبعاد وتحكيم محض العقول القاصرة عن فهم ما هو معلوم من أنه لا يستحيل عليه سبحانه شيء ، ولو كان ذلك مجرد رؤيا كما يقوله من زعم أن الإسراء كان بالروح فقط ، وأن رؤيا الأنبياء حق لم يقع التكذيب من الكفرة للنبي صلى الله عليه وسلم عند إخباره لهم بذلك حتى ارتدّ من ارتدّ ممن لم يشرح بالإيمان صدراً ، فإن الإنسان قد يرى في نومه ما هو مستبعد ، بل ما هو محال ولا ينكر ذلك أحد ؛ وأما التمسك لمن قال بأن هذا الإسراء إنما كان بالروح على سبيل الرؤيا بقوله : { وَمَا جَعَلْنَا الرؤيا التي أريناك إِلاَّ فِتْنَةً لّلنَّاسِ } [ الإسراء : 60 ] فعلى تسليم أن المراد بهذه الرؤيا هو هذا الإسراء فالتصريح الواقع هنا بقوله : { سُبْحَانَ الذي أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً } والتصريح في الأحاديث الصحيحة الكثيرة بأنه أسرى به لا تقصر عن الاستدلال بها على تأويل هذه الرؤيا الواقعة في الآية برؤية العين ، فإنه قد يقال لرؤية العين رؤيا ، وكيف يصح حمل هذا الإسراء على الرؤيا مع تصريح الأحاديث الصحيحة بأن النبي صلى الله عليه وسلم ركب البراق ؟ وكيف يصح وصف الروح بالركوب ؟ وهكذا كيف يصح حمل هذا الإسراء على الرؤيا مع تصريحه بأنه كان عند أن أسري به بين النائم واليقظان ؟
وقد اختلف أيضاً في تاريخ الإسراء ، فروي أن ذلك كان قبل الهجرة إلى المدينة بسنة . وروي أن الإسراء كان قبل الهجرة بأعوام . ووجه ذلك أن خديجة صلت مع النبي صلى الله عليه وسلم وقد ماتت قبل الهجرة بخمس سنين ، وقيل : بثلاث ؛ وقيل : بأربع ، ولم تفرض الصلاة إلاّ ليلة الإسراء . وقد استدل بهذا ابن عبد البرّ على ذلك ، وقد اختلفت الرواية عن الزهري . وممن قال بأن الإسراء كان قبل الهجرة بسنة الزهري في رواية عنه ، وكذلك الحربي فإنه قال : أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم ليلة سبع وعشرين من ربيع الأوّل قبل الهجرة بسنة . وقال ابن القاسم في تاريخه : كان الإسراء بعد مبعثه بثمانية عشر شهراً . قال ابن عبد البرّ : لا أعلم أحداً من أهل السير قال بمثل هذا . وروي عن الزهري أنه أسري به قبل مبعثه بسبعة أعوام ، وروي عنه أنه قال : كان قبل مبعثه بخمس سنين . وروى يونس عن عروة عن عائشة أنها قالت : توفيت خديجة قبل أن تفرض الصلاة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.