فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{قُلِ ٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا لَبِثُواْۖ لَهُۥ غَيۡبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ أَبۡصِرۡ بِهِۦ وَأَسۡمِعۡۚ مَا لَهُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَلِيّٖ وَلَا يُشۡرِكُ فِي حُكۡمِهِۦٓ أَحَدٗا} (26)

{ قُلِ الله أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا } قال ابن عطية : فقوله على هذا : لبثوا الأوّل يريد في يوم الكهف ، ولبثوا الثاني يريد بعد الإعثار عليهم إلى مدة محمد صلى الله عليه وسلم ، أو إلى أن ماتوا . وقال بعضهم : إنه لما قال : { وازدادوا تِسْعًا } لم يدر الناس أهي ساعات أم أيام أم جمع أم شهور أم أعوام ؟ واختلف بنو إسرائيل بحسب ذلك ، فأمر الله برد العلم إليه في التسع ، فهي على هذا مبهمة . والأوّل أولى ، لأن الظاهر من كلام العرب المفهوم بحسب لغتهم أن التسع أعوام ، بدليل أن العدد في هذا الكلام للسنين لا للشهور ولا للأيام ولا للساعات . وعن الزجاج أن المراد : ثلاثمائة سنة شمسية وثلاثمائة وتسع سنين قمرية ، وهذا إنما يكون من الزجاج على جهة التقريب . ثم أكد سبحانه اختصاصه بعلم ما لبثوا بقوله : { لَهُ غَيْبُ السماوات والأرض } أي : ما خفي فيهما وغاب من أحوالهما ليس لغيره من ذلك شيء ، ثم زاد في المبالغة والتأكيد فجاء بما يدلّ على التعجب من إدراكه للمبصرات والمسموعات فقال : { أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ } فأفاد هذا التعجب على أن شأنه سبحانه في علمه بالمبصرات والمسموعات خارج عما عليه إدراك المدركين ، وأنه يستوي في علمه الغائب والحاضر ، والخفيّ والظاهر ، والصغير والكبير ، واللطيف والكثيف ، وكأن أصله ما أبصره وما أسمعه ، ثم نقل إلى صيغة الأمر للإنشاء ، والباء زائدة عند سيبويه وخالفه الأخفش ، والبحث مقرر في علم النحو { مَا لَهُم من دُونِهِ مِن وَلِىّ } الضمير لأهل السماوات والأرض ، وقيل : لأهل الكهف ، وقيل : لمعاصري محمد صلى الله عليه وسلم من الكفار ، أي : ما لهم من موالٍ يواليهم أو يتولى أمورهم أو ينصرهم ، وفي هذا بيان لغاية قدرته وأن الكل تحت قهره { وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا } قرأ الجمهور برفع الكاف على الخبر عن الله سبحانه .

/خ26