ثم شرح سبحانه في نوع آخر كما هو دأب الكتاب العزيز فقال : { واصبر نَفْسَكَ مَعَ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُم } قد تقدّم في الأنعام نهيه صلى الله عليه وسلم عن طرد فقراء المؤمنين بقوله : { وَلاَ تَطْرُدِ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُمْ } [ الأنعام : 52 ] وأمره سبحانه ههنا بأن يحبس نفسه معهم ، فصبر النفس هو حبسها ، وذكر الغداة والعشي كناية عن الاستمرار على الدعاء في جميع الأوقات ، وقيل : في طرفي النهار ، وقيل المراد : صلاة العصر والفجر . وقرأ نصر بن عاصم ومالك بن دينار وأبو عبد الرحمن وابن عامر ( بالغدوة ) بالواو ، واحتجوا بأنها في المصحف كذلك مكتوبة بالواو . قال النحاس : وهذا لا يلزم لكتبهم الحياة والصلاة بالواو ، ولا تكاد العرب تقول : الغدوة ، ومعنى { يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } : أنهم يريدون بدعائهم رضي الله سبحانه ، والجملة في محل نصب على الحال ، ثم أمره سبحانه بالمراقبة لأحوالهم فقال : { وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ } أي : لا تتجاوز عيناك إلى غيرهم . قال الفراء : معناه لا تصرف عيناك عنهم ، وقال الزجاج : لا تصرف بصرك إلى غيرهم من ذوي الهيئات والزينة ، واستعماله بعن لتضمنه معنى النبوّ ، من عدوته عن الأمر ، أي : صرفته منه ، وقيل : معناه : لا تحتقرهم عيناك { تُرِيدُ زِينَةَ الحياة الدنيا } أي : مجالسة أهل الشرف والغنى ، والجملة في محل نصب على الحال ، أي : حال كونك مريداً لذلك ، هذا إذا كان فاعل تريد هو النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وإن كان الفاعل ضميراً يعود إلى العينين ، فالتقدير : مريدة زينة الحياة الدنيا ، وإسناد الإرادة إلى العينين مجاز ، وتوحيد الضمير للتلازم كقول الشاعر :
لمن زحلوقة زل *** بها العينان تنهلّ
{ وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا } أي : جعلناه غافلاً بالختم عليه ، نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن طاعة من جعل الله قلبه غافلاً عن ذكره كأولئك الذين طلبوا منه أن ينحي الفقراء عن مجلسه ، فإنهم طالبوا تنحية الذين يدعون ربهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه وهم غافلون عن ذكر الله ، ومع هذا فهم ممن اتبع هواه وآثره على الحق فاختار الشرك على التوحيد { وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا } أي : متجاوزاً عن حدّ الاعتدال ، من قولهم : فرس فرط : إذا كان متقدماً للخيل فهو على هذا من الإفراط . وقيل هو : من التفريط ، وهو التقصير والتضييع . قال الزجاج : ومن قدم العجز في أمره أضاعه وأهلكه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.