فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{سَيَقُولُونَ ثَلَٰثَةٞ رَّابِعُهُمۡ كَلۡبُهُمۡ وَيَقُولُونَ خَمۡسَةٞ سَادِسُهُمۡ كَلۡبُهُمۡ رَجۡمَۢا بِٱلۡغَيۡبِۖ وَيَقُولُونَ سَبۡعَةٞ وَثَامِنُهُمۡ كَلۡبُهُمۡۚ قُل رَّبِّيٓ أَعۡلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعۡلَمُهُمۡ إِلَّا قَلِيلٞۗ فَلَا تُمَارِ فِيهِمۡ إِلَّا مِرَآءٗ ظَٰهِرٗا وَلَا تَسۡتَفۡتِ فِيهِم مِّنۡهُمۡ أَحَدٗا} (22)

لأن المساجد للمؤمنين . { سَيَقُولُونَ ثلاثة رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ } هؤلاء القائلون بأنهم ثلاثة أو خمسة أو سبعة ، هم المتنازعون في عددهم في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب والمسلمين ، وقيل : هم أهل الكتاب خاصة ، وعلى كل تقدير فليس المراد أنهم جميعاً قالوا جميع ذلك ، بل قال بعضهم بكذا ، وبعضهم بكذا ، وبعضهم بكذا { ثلاثة رابعهم كلبهم } أي : هم ثلاثة أشخاص ، وجملة { رابعهم كلبهم } في محل نصب على الحال أي : حال كون كلبهم جاعلهم أربعة بانضمامه إليهم { وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ } الكلام فيه كالكلام فيما قبله ، وانتصاب { رَجْماً بالغيب } على الحال ، أي : راجمين أو على المصدر ، أي : يرجمون رجماً ، والرجم بالغيب هو القول بالظن والحدس من غير يقين ، والموصوفون بالرجم بالغيب هم كلا الفريقين القائلين بأنهم ثلاثة ، والقائلين بأنهم خمسة { وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ } كأن قول هذه الفرقة أقرب إلى الصواب بدلالة عدم إدخالهم في سلك الراجمين بالغيب . قيل : وإظهار الواو في هذه الجملة يدل على أنها مرادة في الجملتين الأوليين . قال أبو عليّ الفارسي : قوله { رابعهم كلبهم } ، و{ سادسهم كلبهم } جملتان استغني عن حرف العطف فيهما بما تضمنتا من ذكر الجملة الأولى وهي قوله : { ثلاثة } ، والتقدير : هم ثلاثة ، هكذا حكاه الواحدي عن أبي علي ، ثم قال : وهذا معنى قول الزجاج في دخول الواو في : { وثامنهم } وإخراجها من الأوّل ، وقيل : هي مزيدة للتوكيد ، وقيل : إنها واو الثمانية ، وإن ذكره متداول على ألسن العرب إذا وصلوا إلى الثمانية كما في قوله تعالى : { وَفُتِحَتْ أبوابها } [ الزمر : 73 ] وقوله : { ثيبات وَأَبْكَاراً } [ التحريم : 5 ] . ثم أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يخبر المختلفين في عددهم بما يقطع التنازع بينهم فقال : { قُل ربّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم } منكم أيها المختلفون ، ثم أثبت علم ذلك لقليل من الناس فقال : { مَا يَعْلَمُهُمْ } أي : يعلم ذواتهم فضلاً عن عددهم ، أو ما يعلم عددهم على حذف المضاف { إِلاَّ قَلِيلٌ } من الناس ، ثم نهى الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم عن الجدال مع أهل الكتاب في شأن أصحاب الكهف فقال : { فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ } المراء في اللغة : الجدال يقال : مارى يماري مماراة ومراءً أي : جادل ، ثم استثنى سبحانه من المراء ما كان ظاهراً واضحاً فقال : { إِلاَّ مِرَاء ظاهرا } أي : غير متعمق فيه وهو أن يقصّ عليهم ما أوحى الله إليه فحسب . وقال الرازي : هو أن لا يكذبهم في تعيين ذلك العدد ، بل يقول : هذا التعيين لا دليل عليه ، فوجب التوقف ، ثم نهاه سبحانه عن الاستفتاء في شأنهم فقال : { وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ منْهُمْ أَحَداً } أي : لا تستفت في شأنهم من الخائضين فيهم أحداً منهم ، لأن المفتي يجب أن يكون أعلم من المستفتي ، وها هنا الأمر بالعكس ، ولا سيما في واقعة أهل الكهف ، وفيما قصّ الله عليك في ذلك ما يغنيك عن سؤال من لا علم له .

/خ26