فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَجَزَـٰٓؤُاْ سَيِّئَةٖ سَيِّئَةٞ مِّثۡلُهَاۖ فَمَنۡ عَفَا وَأَصۡلَحَ فَأَجۡرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (40)

{ وَجَزَاء سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مّثْلُهَا } فبيّن سبحانه أن العدل في الانتصار هو الاقتصار على المساواة ، وظاهر هذا العموم . وقال مقاتل ، والشافعي ، وأبو حنيفة ، وسفيان : إن هذا خاص بالمجروح ينتقم من الجارح بالقصاص دون غيره . وقال مجاهد والسدّي : هو جواب القبيح إذا قال : أخزاك الله يقول : أخزاك الله من غير أن يعتدي ، وتسمية الجزاء سيئة إما لكونها تسوء من وقعت عليه ، أو على طريق المشاكلة لتشابههما في الصورة . ثم لما بيّن سبحانه أن جزاء السيئة بمثلها حق جائز بين فضيلة العفو ، فقال : { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى الله } أي : من عفا عمن ظلمه ، وأصلح بالعفو بينه ، وبين ظالمه أي أن الله سبحانه يأجره على ذلك ، وأبهم الأجر تعظيماً لشأنه ، وتنبيهاً على جلالته . قال مقاتل : فكان العفو من الأعمال الصالحة ، وقد بينا هذا في سورة آل عمران . ثم ذكر سبحانه خروج الظلمة عن محبته التي هي سبب الفوز والنجاة ، فقال : { إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الظالمين } أي المبتدئين بالظلم قال مقاتل : يعني : من يبدأ بالظلم ، وبه قال سعيد بن جبير . وقيل : لا يحبّ من يتعدّى في الاقتصاص ، ويجاوز الحدّ فيه ؛ لأن المجاوزة ظلم .

/خ43