فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَتَرَىٰهُمۡ يُعۡرَضُونَ عَلَيۡهَا خَٰشِعِينَ مِنَ ٱلذُّلِّ يَنظُرُونَ مِن طَرۡفٍ خَفِيّٖۗ وَقَالَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ ٱلۡخَٰسِرِينَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ وَأَهۡلِيهِمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۗ أَلَآ إِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ فِي عَذَابٖ مُّقِيمٖ} (45)

{ وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خاشعين مِنَ الذل } أي ساكنين متواضعين عند أن يعرضوا على النار لما لحقهم من الذلّ والهوان ، والضمير في عليها راجع إلى العذاب ، وأنثه ، لأن العذاب هو النار ، وقوله : { يُعْرَضُونَ } في محل نصب على الحال ، لأن الرؤية بصرية ، وكذلك خاشعين ، ومن الذلّ يتعلق بخاشعين ، أي من أجله { يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيّ } { من } هي التي لابتداء الغاية ، أي يبتدئ نظرهم إلى النار ، ويجوز أن تكون تبعيضية ، والطرف الخفيّ الذي يخفى نظره كالمصبور ينظر إلى السيف لما لحقهم من الذلّ ، والخوف ، والوجل . قال مجاهد : { مِن طَرْفٍ خَفِي } أي : ذليل قال : وإنما ينظرون بقلوبهم ؛ لأنهم يحشرون عمياً ، وعين القلب طرف خفيّ . وقال قتادة ، وسعيد بن جبير ، والسدّي ، والقرظي : يسارقون النظر من شدّة الخوف . وقال يونس : إن { من } في { مِن طَرْفٍ } بمعنى الباء ، أي ينظرون بطرف ضعيف من الذلّ ، والخوف ، وبه قال الأخفش { وَقَالَ الذين ءامَنُواْ إِنَّ الخاسرين الذين خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ القيامة } أي أن الكاملين في الخسران هم : هؤلاء الذين جمعوا بين خسران الأنفس ، والأهلين في يوم القيامة . أما خسرانهم لأنفسهم ، فلكونهم صاروا في النار معذّبين بها ، وأما خسرانهم لأهليهم ، فلأنهم إن كانوا معهم في النار ، فلا ينتفعون بهم ، وإن كانوا في الجنة ، فقد حيل بينهم ، وبينهم . وقيل : خسران الأهل : أنهم لو آمنوا لكان لهم في الجنة أهل من الحور العين { أَلاَ إِنَّ الظالمين في عَذَابٍ مُّقِيمٍ } هذا يجوز أن يكون من تمام كلام المؤمنين . ويجوز أن يكون من كلام الله سبحانه أي : هم في عذاب دائم لا ينقطع .

/خ53