فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{ذَٰلِكَ ٱلَّذِي يُبَشِّرُ ٱللَّهُ عِبَادَهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِۗ قُل لَّآ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ أَجۡرًا إِلَّا ٱلۡمَوَدَّةَ فِي ٱلۡقُرۡبَىٰۗ وَمَن يَقۡتَرِفۡ حَسَنَةٗ نَّزِدۡ لَهُۥ فِيهَا حُسۡنًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ شَكُورٌ} (23)

والإشارة بقوله : { ذَلِكَ الذي يُبَشّرُ الله عِبَادَهُ } إلى الفضل الكبير ، أي يبشرهم به . ثم وصف العباد بقوله : { الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات } ، فهؤلاء الجامعون بين الإيمان ، والعمل بما أمر الله به ، وترك ما نهى عنه هم : المبشرون بتلك البشارة . قرأ الجمهور { يبشر } مشدّداً من بشر . وقرأ مجاهد وحميد بن قيس بضم التحتية ، وسكون الموحدة ، وكسر الشين من أبشر . وقرأ بفتح التحتية ، وضم الشين بعض السبعة ، وقد تقدّم بيان القراءات في هذه اللفظة . ثم لما ذكر سبحانه ما أخبر به نبيه صلى الله عليه وسلم من هذه الأحكام الشريفة التي اشتمل عليها كتابه ، أمره بأنه يخبرهم بأنه لا يطلب منهم بسبب هذا التبليغ ثواباً منهم ، فقال : { قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً } أي قل يا محمد : لا أطلب منكم على تبليغ الرسالة جعلا ولا نفعاً { إِلاَّ المودة في القربى } هذا الاستثناء يجوز أن يكون متصلاً ، أي إلاّ أن تودّوني لقرابتي بينكم ، أو تودّوا أهل قرابتي . ويجوز أن يكون منقطعاً . قال الزجاج : { إلاّ المودّة } استثناء ليس من الأوّل ، أي إلاّ أن تودّوني لقرابتي فتحفظوني ، والخطاب لقريش . وهذا قول عكرمة ، ومجاهد ، وأبي مالك ، والشعبي ، فيكون المعنى على الانقطاع : لا أسألكم أجراً قط ، ولكن أسألكم المودّة في القربى التي بيني وبينكم ، ارقبوني فيها ، ولا تعجلوا إليّ ، ودعوني والناس ، وبه قال قتادة ، ومقاتل ، والسدّي ، والضحاك ، وابن زيد ، وغيرهم ، وهو الثابت عن ابن عباس كما سيأتي . وقال سعيد بن جبير وغيره : هم آل محمد ، وسيأتي ما استدل به القائلون بهذا . وقال الحسن وغيره : معنى الآية : إلاّ التودّد إلى الله عزّ وجلّ والتقرّب بطاعته . وقال الحسن بن الفضل : ورواه ابن جرير عن الضحاك : إن هذه الآية منسوخة ، وإنما نزلت بمكة ، وكان المشركون يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمرهم الله بمودّته ، فلما هاجر أوته الأنصار ونصروه ، فأنزل الله عليه : { وَمَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ على رَبّ العالمين } [ الشعراء : 109 ] ، وأنزل عليه { قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مّن أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَى الله } [ سبأ : 47 ] . وسيأتي في آخر البحث ما يتضح به الثواب ، ويظهر به معنى الآية إن شاء الله { وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً } أصل القرف الكسب ، يقال : فلان يقرف لعياله ، أي يكتسب . والاقتراف : الاكتساب ، مأخوذ من قولهم رجل قرفة : إذا كان محتالاً . والمعنى : من يكتسب حسنة نزد له هذه الحسنة حسناً بمضاعفة ثوابها . قال مقاتل : المعنى من يكتسب حسنة واحدة نزد له فيها حسناً نضاعفها بالواحدة عشراً فصاعداً . وقيل : المراد بهذه الحسنة هي المودّة في القربى ، والحمل على العموم أولى ، ويدخل تحته المودّة في القربى دخولاً أوّلياً { إِنَّ الله غَفُورٌ شَكُورٌ } أي كثير المغفرة للمذنبين كثير الشكر للمطيعين . قال قتادة : غفور للذّنوب شكور للحسنات . وقال السدّي : غفور لذنوب آل محمد .

/خ28