فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ ٱلۡعِجۡلَ سَيَنَالُهُمۡ غَضَبٞ مِّن رَّبِّهِمۡ وَذِلَّةٞ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۚ وَكَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُفۡتَرِينَ} (152)

الغضب ما نزل بهم من العقوبة في الدنيا بقتل أنفسهم ، وما سينزل بهم في الآخرة من العذاب ، والذلة هي التي ضربها الله عليهم بقوله : { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذلة } . وقيل : هي إخراجهم من ديارهم . وقيل : هي الجزية ، وفيه نظر لأنها لم تؤخذ منهم ، وإنما أخذت من ذراريهم . والأولى أن يقيد الغضب والذلة بالدنيا ، لقوله : { فِي الحياة الدنيا } وإن ذلك مختص بالمتخذين للعجل إلهاً ، لا لمن بعدهم من ذراريهم . ومجرّد ما أمروا به من قتل أنفسهم هو غضب من الله عليهم ، وبه يصيرون أذلاء . وكذلك خروجهم من ديارهم هو من غضب الله عليهم ، وبه يصبرون أذلاء . وأما ما نال ذراريهم من الذلة فلا يصحّ تفسير ما في الآية به إلا إذا تعذر حمل الآية على المعنى الحقيقي ، وهو لم يتعذر هنا { وكذلك نَجْزِى المفترين } أي : مثل ما فعلنا بهؤلاء نفعل بالمفترين . والافتراء الكذب ، فمن افترى على الله سيناله من الله غضب وذلة في الحياة الدنيا . وإن لم يكن بنفس ما عوقب به هؤلاء ، بل المراد ما يصدق عليه أنه من غضب الله سبحانه ، وأن فيه ذلة بأيّ نوع كان .

/خ154