فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{۞وَٱكۡتُبۡ لَنَا فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٗ وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِ إِنَّا هُدۡنَآ إِلَيۡكَۚ قَالَ عَذَابِيٓ أُصِيبُ بِهِۦ مَنۡ أَشَآءُۖ وَرَحۡمَتِي وَسِعَتۡ كُلَّ شَيۡءٖۚ فَسَأَكۡتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلَّذِينَ هُم بِـَٔايَٰتِنَا يُؤۡمِنُونَ} (156)

{ واكتب لَنَا فِي هذه الدنيا حَسَنَةً } بتوفيقنا للأعمال الصالحة ، أو تفضل علينا بإِفاضة النعم في هذه الدنيا من العافية ، وسعة الرزق { وَفِي الآخرة } أي واكتب لنا في الآخرة الجنة بما تجازينا به ، أو بما تتفضل به علينا من النعيم في الآخرة . وجملة { إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ } تعليل لما قبلها من سؤال المغفرة ، والرحمة ، والحسنة ، في الدنيا وفي الآخرة ، أي : إنا تبنا إليك ورجعنا عن الغواية التي وقعت من بني إسرائيل . والهود : التوبة . وقد تقدّم في البقرة . وجملة : { قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء } مستأنفة كنظائرها فيما تقدّم . قيل المراد بالعذاب هنا : الرجفة . وقيل : أمره سبحانه لهم بأن يقتلوا أنفسهم ، أي ليس هذا إليك يا موسى ، بل ما شئت كان ، وما لم أشأ لم يكن . والظاهر أن العذاب هنا يندرج تحته كل عذاب ، ويدخل فيه عذاب هؤلاء دخولاً أوّلياً . وقيل المراد : من أشاء من المستحقين للعذاب ، أو من أشاء أن أضله وأسلبه التوفيق { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْء } : من الأشياء من المكلفين وغيرهم . ثم أخبر سبحانه أنه سيكتب هذه الرحمة الواسعة { لّلَّذِينَ يَتَّقُونَ } الذنوب { وَيُؤْتُونَ الزكاة } المفروضة عليهم { والذين هُم بآياتنا يُؤْمِنُونَ } أي يصدّقون بها ويذعنون لها .

/خ157