اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ ٱلۡعِجۡلَ سَيَنَالُهُمۡ غَضَبٞ مِّن رَّبِّهِمۡ وَذِلَّةٞ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۚ وَكَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُفۡتَرِينَ} (152)

قوله تعالى : { إن الذين اتخذوا العجل } الآية . المفعول الثاني من مفعولي - الاتِّخاذِ - محذُوف ، والتقديرُ ، اتَّخذوا العجل إلهاً ومَعْبُوداً ، يدلُّ على هذا المحذوف قوله تعالى : { فَقَالُواْ هذا إلهكم وإله موسى } [ طه : 88 ] وللمفسرين ههنا طريقان : أحدهما : المراد بالذين اتَّخَذُوا العجل قوم موسى ، وعلى هذا فيه سؤال هو أن أولئك القوم تَابَ اللَّهُ عليهم : بأن قتلوا أنفسهم في معرض التَّوْبَةِ على ذنبهم ، وإذا تاب الله عليهم فكيف قيل في حقِّهم : { سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الحياة الدنيا } ؟ ويُجاب عنه بأن ذلك الغضب إنَّما حصل في الدُّنْيَا لا في الآخرة ، وهو أنَّ اللَّهَ أمرهم بقتل أنفسهم والمُرَادُ بقوله : { وَذِلَّةٌ فِي الحياة الدنيا } هو أنَّهُمْ قد ضَلُّوا فَذُلُّوا .

فإن قيل : السِّينُ في قوله سَيَنالُهُمْ للاستقبال ، فكيف يحمل هذا على حكم الدُّنيا ؟

فالجواب : وأخبره في ذلك الوقت أن سَيَنالُهُمْ غضبٌ من ربهم وذلَّةٌ ، فكان هذا الكلامُ سابقاً على وقوعهم في القَتْل وفي الذِّلة فَصَحَّ هذا التَّأويل .

الطريق الثاني : أنَّ المُرادَ بالذين اتَّخَذُوا العجلَ أبناؤهم الذين كانوا في زمن النَّبي صلى الله عليه وسلم وعلى هذا فيه وجهان : أحدهما : أنَّ العرب تعير الأبناء بقبائح أفعال الآباء كما يفعل ذلك في المناقبِ ؛ يقولون للأبناء فعلتم كذا وكذا ، وإنَّمَا فعل ذلك أسلافهم كذلك ههنا .

قال عطيَّةً العوفيُّ : أراد بهم اليهود الذين كانوا في عصر النَّبي صلى الله عليه وسلم ، عَيَّرهُم بصنع آبائهم ونسبه إليهم ، ثمَّ حكى عليهم بأنَّهُ : { سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ } في الآخرةِ : { وَذِلَّةٌ فِي الحياة الدنيا } أراد : ما أصَابَ بني قريظة والنَّير من القتل والجلاء .

وقال ابنُ عبَّاسٍ : هي الجزية .

الوجه الثاني : أن يكون التقديرُ : " إنَّ الذينَ اتَّخَذُوا العِجْلَ " أي الذين باشرُوا ذلك سَيَنالُهُمْ أي : سينال أولادهم ، ثم حذف المضاف لدلالة الكلام عليه .

ثمَّ قال : { وَكَذَلِكَ نَجْزِي المفترين } أي : ومثل ذلك النِّيل والغضب والذِّلّة " نَجْزِي المُفْترينَ " الكاذبين .

قال أبُو قلابة : " هو واللَّه جزاء كلِّ مفترٍ إلى يوم القيامة أن يذلَّه اللَّهُ " .

وقال سفيان بنُ عيينة : " هذا في كل مبتدع إلى يوم القيامة " .

وقال مالكُ بْنُ أنسٍ : " ما من مُبْتَدع إلاَّ ويجدُ فوق رأسه ذِلَّة " .