فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا عِلِّيُّونَ} (19)

قوله : { كَلاَّ } للردع والزجر عما كانوا عليه والتكرير للتأكيد ، وجملة : { إِنَّ كتاب الأبرار لَفِي عِلّيّينَ } مستأنفة لبيان ما تضمنته ، ويجوز أن يكون كلا بمعنى : حقاً ، والأبرار : هم المطيعون ، وكتابهم صحائف حسناتهم . قال الفراء : عليين ارتفاع بعد ارتفاع لا غاية له ، ووجه هذا أنه منقول من جمع عليّ من العلوّ . قال الزجاج : هو إعلاء الأمكنة . قال الفراء والزجاج : فأعرب كإعراب الجمع لأنه على لفظ الجمع ولا واحد له من لفظه نحو : ثلاثين وعشرين وقنسرين . قيل : هو علم لديوان الخير الذي دوّن فيه ما عمله الصالحون . وحكى الواحدي عن المفسرين أنه السماء السابعة . قال الضحاك ومجاهد وقتادة يعني : السماء السابعة فيها أرواح المؤمنين . وقال الضحاك : هو سدرة المنتهى ينتهي إليه كل شيء من أمر الله لا يعدوها ، وقيل هو الجنة . وقال قتادة أيضاً : هو فوق السماء السابعة عند قائمة العرش اليمنى ، وقيل : إن عليين صفة للملائكة فإنهم في الملأ الأعلى كما يقال فلان في بني فلان : أي في جملتهم { وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلّيُّونَ * كتاب مَّرْقُومٌ } أي وما أعلمك يا محمد أيّ شيء عليون على جهة التفخيم والتعظيم لعليين ، ثم فسره فقال : { كتاب مَّرْقُومٌ } أي مسطور . والكلام في هذا كالكلام المتقدم في قوله : { وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجّينٌ * كتاب مَّرْقُومٌ } [ المطففين : 8 ، 9 ] .

/خ36