فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{خِتَٰمُهُۥ مِسۡكٞۚ وَفِي ذَٰلِكَ فَلۡيَتَنَافَسِ ٱلۡمُتَنَٰفِسُونَ} (26)

وهو معنى قوله : { ختامه مِسْكٌ } أي آخر طعمه ريح المسك إذا رفع الشارب فاه من آخر شرابه وجد ريحه كريح المسك . وقيل : مختوم أوانيه من الأكواب والأباريق بمسك مكان الطين ، وكأنه تمثيل لكمال نفاسته وطيب رائحته . والحاصل أن المختوم والختام إما أن يكون من ختام الشيء وهو آخره ، أو من ختم الشيء وهو جعل الخاتم عليه كما تختم الأشياء بالطين ونحوه . قرأ الجمهور : { خِتَامُهُ } وقرأ عليّ وعلقمة وشقيق ، والضحاك وطاوس والكسائي : «خَاتَمُهُ » بفتح الخاء والتاء وألف بينهما . قال علقمة : أما رأيت المرأة تقول للعطار : اجعل خاتمه مسكاً : أي آخره ، والخاتم والختام يتقاربان في المعنى ، إلا أن الخاتم الاسم والختام المصدر ، كذا قال الفراء قال في الصحاح : والختام الطين الذي يختم به ، وكذا قال ابن زيد . قال الفرزدق :

وبتن بجانبي مصرّعات *** وبت أفضّ أغلاف الختام

{ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المتنافسون } أي فليرغب الراغبون ، والإشارة بقوله : { ذلك } إلى الرحيق الموصوف بتلك الصفة ، وقيل : إن في بمعنى إلى : أي وإلى ذلك فليتبادر المتبادرون في العمل كما في قوله : { لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ العاملون } [ الصافات : 61 ] وأصل التنافس التشاجر على الشيء والتنازع فيه ، بأن يحب كل واحد أن يتفرد به دون صاحبه ، يقال نفست الشيء عليه أنفسه نفاسة : أي ظننت به ، ولم أحبّ أن يصير إليه . قال البغوي : أصله من الشيء النفيس الذي تحرص عليه نفوس الناس ، فيريده كل واحد لنفسه وينفس به على غيره : أي يضن به . قال عطاء : المعنى فليستبق المستبقون . وقال مقاتل بن سليمان : فليتنازع المتنازعون .

/خ36