فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{الٓرۚ تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡحَكِيمِ} (1)

مقدمة السورة:

سورة يونس

هي مكية إلا ثلاث آيات من قوله : { فإن كنت في شك } إلى آخرهن ، هكذا روى القرطبي في تفسيره عن ابن عباس . وحكي عن مقاتل أنها مكية إلا آيتين ، وهي قوله : { فإن كنت في شك } فإنها نزلت في المدينة . وحكي عن الكلبي أنها مكية إلا قوله : { ومنهم من لا يؤمن به } فإنها نزلت بالمدينة . وحكي عن الحسن وعكرمة وعطاء وجابر أنها مكية من غير استثناء . وأخرج النحاس وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال : نزلت سورة يونس بمكة . وأخرج أبو الشيخ عن ابن سيرين قال : كانت سورة يونس بعد السابعة . وأخرج ابن مردويه عن أنس قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله أعطاني الرائيات إلى الطواسين مكان الإنجيل " . وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن الأحنف قال : صليت خلف عمر غداة فقرأ يونس وهود وغيرهما .

قوله : { الر } قد تقدّم الكلام مستوفى على هذه الحروف الواقعة في أوائل السور في أوّل سورة البقرة ، فلا نعيده . ففيه ما يغني عن الإعادة . وقد قرأ بالإمالة أبو عمرو ، وحمزة ، وخلف ، وغيرهم . وقرأ جماعة من غير إمالة . وقد قيل : إن معنى { الر } أنا الله أرى . قال النحاس : ورأيت أبا إسحاق يميل إلى هذا القول ، لأن سيبويه قد حكى مثله عن العرب ، وأنشد :

بالخير خيرات وإن شرافا *** . . .

أي : وإن شرّاً فشرّ . وقال الحسن وعكرمة : { الر } قسم ، وقال سعيد عن قتادة : { الر } اسم للسورة . وقيل : غير ذلك مما فيه تكلف لعلم ما استأثر الله بعلمه ، وقد اتفق القراء على أن { الر } ليس بآية . وعلى أن { طه } آية ، وفي مقنع أبي عمرو الداني ، أن العادّين لطه آية هم : الكوفيون فقط ، قيل : ولعل الفرق أن { الر } لا يشاكل مقاطع الآي التي بعده . والإشارة بقوله : { تِلْكَ } إلى ما تضمنته السورة من الآيات ، والتبعيد للتعظيم ، واسم الإشارة مبتدأ وخبره ما بعده . وقال مجاهد وقتادة : أراد التوراة والإنجيل وسائر الكتب المتقدمة ، فإن تلك إشارة إلى غائب مؤنث ، وقيل : { تِلْكَ } بمعنى هذه : أي هذه آيات الكتاب الحكيم ، وهو القرآن ، ويؤيد كون الإشارة إلى القرآن أنه لم يجر للكتب المتقدمة ذكر ، وأن الحكيم من صفات القرآن لا من صفات غيره ، و { الحكيم } المحكم بالحلال والحرام ، والحدود والأحكام ، قاله أبو عبيدة وغيره . وقيل : الحكيم معناه : الحاكم ، فهو فعيل بمعنى : فاعل ، كقوله : { وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الكتاب بالحق لِيَحْكُمَ بَيْنَ الناس فِيمَا اختلفوا فِيهِ } . وقيل : الحكيم بمعنى المحكوم فيه ، فهو فعيل بمعنى مفعول ، أي حكم الله فيه بالعدل والإحسان ، قاله الحسن وغيره . وقيل : الحكيم ذو الحكمة ، لاشتماله عليها .

/خ4