فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{لَقَدۡ جَآءَكُمۡ رَسُولٞ مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ عَزِيزٌ عَلَيۡهِ مَا عَنِتُّمۡ حَرِيصٌ عَلَيۡكُم بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ} (128)

ثم ختم الله سبحانه هذه السورة بما يهوّن عنده بعض ما اشتملت عليه من التكاليف الشاقة ، فقال : { لَقَدْ جَاءكُمْ } يا معشر العرب { رسُولٍ } أرسله الله إليكم ، له شأن عظيم { مّنْ أَنفُسِكُمْ } من جنسكم في كونه عربياً وإلى كون هذه الآية خطاباً للعرب ذهب جمهور المفسرين . وقال الزجاج : هي خطاب لجميع العالم . والمعنى : { لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ منْ } جنسكم في البشرية { عَزِيز عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ } ما مصدرية . والمعنى : شاق عليه عنتكم لكونه من جنسكم ، ومبعوثاً لهدايتكم ، والعنت : التعب لهم والمشقة عليهم بعذاب الدنيا بالسيف ونحوه ، أو بعذاب الآخرة بالنار ، أو بمجموعهما { حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ } أي : شحيح عليكم بأن تدخلوا النار ، أو حريص على إيمانكم . والأوّل : أولى ، وبه قال الفراء . والرؤوف الرحيم ، قد تقدّم بيان معناهما : أي هذا الرسول { بالمؤمنين } منكم أيها العرب أو الناس { رَؤوف رَحِيم } ثم قال مخاطباً لرسوله ومسلياً له ، ومرشداً له ، إلى ما يقوله عند أن يُعصى .

/خ129