29 ، 30- { أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم * ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم } . كان المنافقون في المدينة طابورا خامسا ، وشوكة في جنب المسلمين ، يشوشون على المسلمين ، ويحزنون إذا انتصروا ، ويشيعون عنهم أقاويل السوء ، ويضمرون لهم العداوة والبغضاء .
وفي هاتين الآيتين يهددهم الله بأن يكشف أسرارهم ، وأن يظهر للمسلمين حقدهم وضغنهم ، وخبايا نفوسهم ، ومكنونات قلوبهم المريضة العليلة بالضغن والحقد .
ولو أراد الله تعالى لكشف لرسوله صلى الله عليه وسلم عن أسمائهم وأشخاصهم وعلاماتهم ، لكن الله تعالى سترا منه على عباده ، أعلم رسوله صلى الله عليه وسلم بصفاتهم العامة ، لا بأسمائهم ، كما أعلمه بطريقتهم في لحن القول ، وهو إسرار شيء متفق عليه لا يفهمه إلا صاحب لهم ، قد بيتوا الأمر معه على طريقة في القول ، يلحنون بها لحنا معينا ، يفهم منه ما يريدون ، ولا يعرف ذلك الآخرون .
لحن القول : فحواه ومقصده ومغزاه ، وهو هنا : ما يعرّضون به من تهجين أمرك وأمر المسلمين ، وقد قيل : كان بعد هذا لا يتلكم منافق عند النبي صلى الله عليه وسلم إلا عرفه .
لا تخفى عليه منها خافية ، فيجازيكم بها . اه .
ونلحظ أنه لا تكاد تخلو سورة مدنية من ذكر المنافقين وكشف أمورهم ، حتى سميت سورة براءة بالكاشفة والفاضحة والمبعثرة ، لأنها كشفت المنافقين وفضحتهم وبعثرتهم ، بقولها : { ومنهم } . . . { ومنهم } . . . { ومنهم } .
مثل قوله تعالى : { ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون } . ( التوبة : 58 ) .
ومثل قوله تعالى : { ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين } . ( التوبة : 49 ) .
وهكذا كشف القرآن الكريم أمر المنافقين ، وأظهر كيدهم ، وألقى عليهم الأضواء الكاشفة ليحذر المسلمون منهم .
وروى ابن كثير أن أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه قال : ما أسرّ أحد سريرة إلا أبداها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه ، وفي الحديث : ( ما أسر أحد سريرة إلا كساه الله جلبابها ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر )7 .
{ أَمْ حَسِبَ الذين فِى قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ } هم المنافقون الذين فصلت أحوالهم الشنيعة وصفوا بوصفهم السابق لكونه مداراً لما نعى عليهم بقوله تعالى : { أَن لَّن يُخْرِجَ الله أضغانهم } فأم منقطعة وأن مخففة من أن واسمها ضمير الشأن والجملة بعدها خبرها ، والأضعان جمع ضغن وهو الحقد وقيده الراغب بالشديد وقد ضغن بالكسر وتضاغن القوم واضطغنوا أبطنوا الأحقاد ، ويقال : اضطغنت الصبي إذا أخذته تحت حضنك وأنشد الأحمر
كأنه مضطغن صبياً *** وفرس ضاغن لا يعطي ما عنده من الجري إلا بالضرب ، وأصل الكلمة من الضغن وهو الالتواء والاعوجاج في قوائم الدابة والقناة وكل شيء ، قال بشر :
كذات الضغن تمشي في الرقاق *** وأنشد الليث :
إن قناتي من صليبات القنا *** ما زادها التثقيف إلا ضغنا
والحقد في القلب يشبه به : وقال الليث ، وقطرب . الضغن العداوة قال الشاعر :
قل لابن هند ما أردت بمنطق *** ساء الصديق وشيد الإضغانا
وهذا لا ينافي الأول لأن الحقد العداوة لأمر يخفيه المرء في قلبه ، والإخراج مختص بالأجسام ، والمراد به هنا الإبراز أي بل أحسب الذين في قلوبهم حقد وعداوة للمؤمنين أنه لن يبرز الله تعالى أحقادهم ويظهرها للرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين فتبقى مستورة ، والمعنى أن ذلك مما لا يكاد يدخل تحت الاحتمال .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.