تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{أَمۡ حَسِبَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخۡرِجَ ٱللَّهُ أَضۡغَٰنَهُمۡ} (29)

24

المفردات :

أضغانهم : أحقادهم . جمع ضغن .

التفسير :

29 ، 30- { أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم * ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم } . كان المنافقون في المدينة طابورا خامسا ، وشوكة في جنب المسلمين ، يشوشون على المسلمين ، ويحزنون إذا انتصروا ، ويشيعون عنهم أقاويل السوء ، ويضمرون لهم العداوة والبغضاء .

وفي هاتين الآيتين يهددهم الله بأن يكشف أسرارهم ، وأن يظهر للمسلمين حقدهم وضغنهم ، وخبايا نفوسهم ، ومكنونات قلوبهم المريضة العليلة بالضغن والحقد .

ولو أراد الله تعالى لكشف لرسوله صلى الله عليه وسلم عن أسمائهم وأشخاصهم وعلاماتهم ، لكن الله تعالى سترا منه على عباده ، أعلم رسوله صلى الله عليه وسلم بصفاتهم العامة ، لا بأسمائهم ، كما أعلمه بطريقتهم في لحن القول ، وهو إسرار شيء متفق عليه لا يفهمه إلا صاحب لهم ، قد بيتوا الأمر معه على طريقة في القول ، يلحنون بها لحنا معينا ، يفهم منه ما يريدون ، ولا يعرف ذلك الآخرون .

قال الشوكاني في تفسير الآية :

لحن القول : فحواه ومقصده ومغزاه ، وهو هنا : ما يعرّضون به من تهجين أمرك وأمر المسلمين ، وقد قيل : كان بعد هذا لا يتلكم منافق عند النبي صلى الله عليه وسلم إلا عرفه .

{ والله يعلم أعمالكم } .

لا تخفى عليه منها خافية ، فيجازيكم بها . اه .

ونلحظ أنه لا تكاد تخلو سورة مدنية من ذكر المنافقين وكشف أمورهم ، حتى سميت سورة براءة بالكاشفة والفاضحة والمبعثرة ، لأنها كشفت المنافقين وفضحتهم وبعثرتهم ، بقولها : { ومنهم } . . . { ومنهم } . . . { ومنهم } .

مثل قوله تعالى : { ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون } . ( التوبة : 58 ) .

ومثل قوله تعالى : { ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين } . ( التوبة : 49 ) .

وهكذا كشف القرآن الكريم أمر المنافقين ، وأظهر كيدهم ، وألقى عليهم الأضواء الكاشفة ليحذر المسلمون منهم .

وروى ابن كثير أن أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه قال : ما أسرّ أحد سريرة إلا أبداها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه ، وفي الحديث : ( ما أسر أحد سريرة إلا كساه الله جلبابها ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر )7 .

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{أَمۡ حَسِبَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخۡرِجَ ٱللَّهُ أَضۡغَٰنَهُمۡ} (29)

{ أَمْ حَسِبَ الذين فِى قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ } هم المنافقون الذين فصلت أحوالهم الشنيعة وصفوا بوصفهم السابق لكونه مداراً لما نعى عليهم بقوله تعالى : { أَن لَّن يُخْرِجَ الله أضغانهم } فأم منقطعة وأن مخففة من أن واسمها ضمير الشأن والجملة بعدها خبرها ، والأضعان جمع ضغن وهو الحقد وقيده الراغب بالشديد وقد ضغن بالكسر وتضاغن القوم واضطغنوا أبطنوا الأحقاد ، ويقال : اضطغنت الصبي إذا أخذته تحت حضنك وأنشد الأحمر

كأنه مضطغن صبياً *** وفرس ضاغن لا يعطي ما عنده من الجري إلا بالضرب ، وأصل الكلمة من الضغن وهو الالتواء والاعوجاج في قوائم الدابة والقناة وكل شيء ، قال بشر :

كذات الضغن تمشي في الرقاق *** وأنشد الليث :

إن قناتي من صليبات القنا *** ما زادها التثقيف إلا ضغنا

والحقد في القلب يشبه به : وقال الليث ، وقطرب . الضغن العداوة قال الشاعر :

قل لابن هند ما أردت بمنطق *** ساء الصديق وشيد الإضغانا

وهذا لا ينافي الأول لأن الحقد العداوة لأمر يخفيه المرء في قلبه ، والإخراج مختص بالأجسام ، والمراد به هنا الإبراز أي بل أحسب الذين في قلوبهم حقد وعداوة للمؤمنين أنه لن يبرز الله تعالى أحقادهم ويظهرها للرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين فتبقى مستورة ، والمعنى أن ذلك مما لا يكاد يدخل تحت الاحتمال .