تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱرۡتَدُّواْ عَلَىٰٓ أَدۡبَٰرِهِم مِّنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلۡهُدَى ٱلشَّيۡطَٰنُ سَوَّلَ لَهُمۡ وَأَمۡلَىٰ لَهُمۡ} (25)

24

المفردات :

سول لهم : سهل لهم وزين لهم .

وأملى لهم : مد لهم في الأماني والآمال .

التفسير :

25- { إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم } .

قيل : إن هذه الآية نزلت في بعض المنافقين ، الذين خالطوا المسلمين وشاهدوا هداية الله لهم ، ثم رجعوا إلى الكفر ، وقيل : نزلت في بعض اليهود ، دخلوا في الإسلام ، وشاهدوا هداية القرآن ، وتوفيق وأمانة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم مرضت قلوبهم وحقدوا وحسدوا الرسول صلى الله عليه وسلم ، فعادوا إلى اليهودية ، وقيل : نزلت في بعض الكفار .

والأولى أن نقول : إن الآية عامة ، وتشمل كل من تنطبق عليهم .

والمعنى :

إن الذين دخلوا في الإسلام ، ثم نكصوا على أعقابهم ، ورجعوا إلى الضلال بعد أن تبين لهم الهدى ، وعادوا إلى الكفر بعد أن شاهدوا نور الإسلام ، وإعجاز القرآن وفضله وبركته وهدايته ، وآدابه وتشريعاته ، هؤلاء وقعوا أسرى لإغراء الشيطان ، ووسوسته لهم بطول الأمد والاغتراف من الملذات ، والمغانم الدنيوية ، فآثروا العاجلة على الباقية ، كما قال تعالى :

{ بل توثرون الحياة الدنيا * والآخرة خير وأبقى } . ( الأعلى : 16 ، 17 ) .

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱرۡتَدُّواْ عَلَىٰٓ أَدۡبَٰرِهِم مِّنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلۡهُدَى ٱلشَّيۡطَٰنُ سَوَّلَ لَهُمۡ وَأَمۡلَىٰ لَهُمۡ} (25)

{ إِنَّ الذين ارتدوا على أدبارهم } أي رجعوا إلى ما كانوا عليه من الكفر ، قال ابن عباس . وغيره : نزلت في منافقين كانوا أسلموا ثم نافقت قلوبهم ، وفي إرشاد العقل السليم هم المنافقون الذين وصفوا فيما سلف بمرض القلوب وغيره من قبائح الأحوال فإنهم قد كفروا به عليه الصلاة والسلام { مّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهدى } بالدلائل الظاهرة والمعجزات الباهرة القاهرة .

وأخرج عبد الرزاق . وجماعة عن قتادة أنه قال : هم أعداء الله تعالى أهل الكتاب يعرفون بعث النبي صلى الله عليه وسلم ويجدونه مكتوباً في التوراة والإنجيل ثم يكفرون به عليه الصلاة والسلام . وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج أنه قال : { إِنَّ الذين ارتدوا } الخ اليهود ارتدوا عن الهدى بعد أن عرفوا أن محمداً صلى الله عليه وسلم نبي ، والمختار ما تقدم ، وأياً ما كان فالموصول اسم أن وجملة قوله تعالى : { الشيطان سَوَّلَ لَهُمْ } خبرها كقولك : إن زيداً عمرو مر به أي سهل لهم ركوب العظائم من السول بفتحتين وهو الاسترخاء استعير للتسهيل أي لعده سهلاً هيناً حتى لا يبالي به كأنه شبه بإرخاء ما كان مشدوداً ، وقيل : أي حملهم على الشهوات من السول وهو التمني ، وأصله حملهم على سؤلهم أي ما يشتهونه ويتمنونه فالتفعيل للحمل على المصدر كغربه إذا حمله على الغربة إلا أنهم جعلوا المصدر بمعنى اسم المفعول ، ونقل ذلك عن ابن السكيت .

واعترض بأن السول بمعنى التمني من السؤال فهو مهموز والتسويل واوى ومعناه التزيين فلا مناسبة لا لفظاً ولا معنى فالقول باشتقاق سول منه خطأ ، ورد بأن السول من السؤال وله استعمالان فيكون مهموزاً وهو المعروف ومعتلاً يقال سال يسال كخاف يخاف وقالوا منه : يتساولان بالواو فيجوز كون التسويل من السول على هذه اللغة أو هو على المشهورة خفف بقلب الهمزة ثم التزم ، ونظيره تدير من الدار لاستمرار القلب في ديار وكذلك تحيز لاستمرار القلب في حيز ويكون مآل المعنى على هذا حملهم على الشهوات .

وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما { سَوَّلَ لَهُمْ } مبنياً للمفعول وخرج ذلك على تقدير مضاف أي كيد الشيطان سول لهم ، وجوز تقديره سول كيده لهم فحذف وقام الضمير المجرور مقامه فارتفع واستتر ، قيل : وهو أولى لأنه تقدير في وقت الحاجة ولا يخفى أن الأول أقل تكلفاً .

{ وأملى لَهُمْ } أي ومد لهم الشيطان في الأماني والآمال ، ومعنى المد فيها توسيعها وجعلها ممدودة بنفسها أو بزمانها بأن يوسوس لهم بأنكم تنالون في الدنيا كذا وكذا مما لا أصل لهم حتى يعوقهم عن العمل ، وأصل الإملاء الإبقاء ملاوة من الدهر أي برهة ، ومنه قيل : المعنى وعدهم بالبقاء الطويل ، وجعل بعضهم فاعل { أملى } ضميره تعالى ، والمعنى أمهلهم ولم يعاجلهم بالعقوبة ؛ وفيه تفكيك لكن أيد بقراءة مجاهد .

وابن هرمز . والأعمش وسلام . ويعقوب { لَهُمْ وأملى } بهمزة المتكلم مضارع أملى فإن الفاعل حينئذٍ ضميره تعالى على الظاهر والأصل توافق القراءتين ، وجوز أن يكون ماضياً مجهولاً من المزيد سكن آخره للتخفيف كما قالوا في بقى بقى بسكون الياء .

وعلى الظاهر جوز أن تكون الواو للاستئناف وأن تكون للحال ويقدر مبتدأ بعدها أي وأنا أملى لئلا يكون شاذاً كقمت وأصك وجهه ، وجوزت الحالية في قراءة الجمهور أيضاً على جعل الفاعل ضميره تعالى فحينئذٍ تقدر قد على المشهور . وقرأ ابن سيرين . والجحدري . وشيبة . وأبو عمرو . وعيسى { وأملى } بالبناء للمفعول فلهم نائب الفاعل أي أمهلوا ومد في أعمارهم ، وجوز أن يكون ضمير الشيطان والمعنى أمهل الشيطان لهم أي جعل من المنظرين إلى يوم القيامة لأجلهم ففيه بيان لاستمرار ضلالهم وتقبيح حالهم .