اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَمۡ حَسِبَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخۡرِجَ ٱللَّهُ أَضۡغَٰنَهُمۡ} (29)

قوله : { أَمْ حَسِبَ الذين فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ } يعني المنافقين و«أم » تستدعي جملة أخرى استفهامية{[51497]} يقال : أَزيدٌ فِي الدَّارِ أَمْ عَمْرٌو وإذا كانت منقطعة لا تستدعي ذلك ؛ يقال : إنَّ هذا لزيدٍ أم عمرو وكما يقال : بل عمرو{[51498]} . والمفسرون على أنها منقطعة{[51499]} . ويحتمل أن يقال : إنها استفهامية والسابق مفهوم من قوله تعالى : { والله يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ } . وكأنه تعالى قال : ( أم ){[51500]} حسب الذين كفروا وأن لم يعلم الله إسرارهم أم حسب المنافقون أن لن يظهرها . والكل فاسد{[51501]} فإنما يعلمها ويظهرها .

قوله : { أَن لَّن يُخْرِجَ الله أَضْغَانَهُمْ } الإخراج بمعنى الإظهار ، أي لن يظهر أحقادهم و«أن » هذه مخففة . و«لن » وما بعدها خبرها واسمها ضمير الشأن . والأَضْغَانُ جمع ضغْنٍ وهي الأَحْقَادُ والضَّغِينَةُ كذلك . قال ( رحمه الله{[51502]} ) :

4480 وَذِي ضِغْنٍ كَفَفْتُ الوُدَّ عَنْهُ *** وَكُنْتُ عَلَى إِسَاءَتِهِ مُقِيتَا{[51503]}

وقال عمرو بن كلثوم :

4481 وَإِنَّ الضِّغْنَ بَعْدَ الضَّغْنِ يَعْسُو{[51504]} *** عَلَيْكَ وَيُخْرِجُ الدَّاءَ الدَّفِينَا

وقيلأ : الضغن العداوة وأنشد :

4482 قُلْ لابْنِ هِنْدٍ مَا أَرَدْتَ بِمَنْطِقٍ *** سَاءَ الصَّدِيقَ وَشَيَّدَ الأَضْغَانَا{[51505]}

يقال : ضَغِنَ بالكسر يَضْغَنُ بالفتح وقد ضَغِن عليه وأضْغَنَ القَوْمُ وتَضَاغَنُوا .

وأصل المادة من الالتواء في قوائم الدّابة والقناة ، قال ( رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ{[51506]} ) :

4483 إنَّ قَنَاتِي مِنْ صَليباتِ القَنَا *** مَا زَادَهَا التَّثْقِيفُ إِلاَّ ضَغَنَا{[51507]}

وقال آخر :

4484 . . . . . . . . . . . . . . . *** كَذَاتِ الضَّغْنِ تَمْشِي فِي الرِّقَاقِ{[51508]}

والاضطغَانُ الاحتواء على الشيء أيضاً{[51509]} ومنه قولهم : اضطَغَنْتُ الصَّبِيَّ إِذَا احتضنته وأنشد :

4485 كَأَنَّه مُضْطَغِنٌ صَبِيًّا{[51510]} . . .

وقال الآخر :

4486 وما اضطَغَنْتُ سِلاَحِي عِنْدَ مَعْرَكِهَا *** . . . . . . . . . . . . . {[51511]}

وفرسٌ ضَاغِنٌ لا يجري إِلاَّ بالضَّرْبِ .

فصل

قال المفسرون : أضغانهم أحقادهم على المؤمنين فيُبْدِيها حتى تعرفوا نفاقهم . وقال ابن عباس ( رضي الله عنهما ){[51512]} أضغانهم حَسَدَهُمْ{[51513]} .


[51497]:إذا كانت للاستفهام لأن كلمة أم إذا كانت متصلة استفهامية يستدعي سبق جملة أخرى استفهامية.
[51498]:انظر الرازي المرجع السابق 28/69.
[51499]:انظر السابق.
[51500]:ساقطة من الرازي ففيه: أحسب.
[51501]:كذا في النسختين وفي الرازي: قاصر. وانظر الرازي السابق. أقول: مما يؤيد أن هذه الاستفهامية أن المنقطعة لا تكاد تقع في صدر الكلام فلا يقال ابتداء: بل جاء زيد ولا أو جاء عمرو.
[51502]:زيادة من (أ).
[51503]:من الوافر ولم أعرف قائله والبيت في المسامحة و "ذي" مجرورة برب محذوفة وفي القرطبي النفس بدل الود والمقيت الحافظ. وجاء به المؤلف في أن الضغن معناه الحقد انظر القرطبي 16/251.
[51504]:كذا في النسختين والبحر بالعين من عسا يعسو عسوا وعسيا بمعنى كبر وفي القرطبي يفشو. والمعنى متقارب وفي المعلقة له: "يبدو" وهو هنا يقول: إن الضغن بعد الضغن تفشو آثاره ويخرج الداء المدفون من الأفئدة أي يبعث على الانتقام، والبيت من الوافر. وشاهده: أن الضغن بمعنى الحقد وهو مفرد يجمع على أفعال كضغن وأضغان وانظر البيت في شرح المعلقات السبع للزوزني 149. وقد تقدم.
[51505]:من الكامل ولم أعرف قائله. وبالبيت استدل قطرب على أن الأحقاد معناها العداوة. وانظر القرطبي 16/351 والبحر 8/71.
[51506]:زيادة من (أ).
[51507]:من الرجز ولم أهتد إلى قائله، وشاهده: أن الضغن معناه الالتواء في القناة ـ وهي الرمح ـ والعوج فهي معوجة ولم تثقف. وانظر اللسان ضغن 2593 ونوادر أبي زيد، وانظر أيضا البحر المحيط 8/71.
[51508]:هذا عجز بيت من الوافر، لبشر بن أبي خازم، صدره: فإنك والشكاة من آل لأم .................................. وضغن الدابة عسره والتواؤه. وذات الضغن هي الدابة فهو كناية عن موصوف والرقاق: حبل يشد من الوظيف إلى العضد. وقيل: هو حبل يشد في عنق البعير إلى رسغه. والمعنى أن ذات الضغن ليست بمستقيمة المشي لما في قبلها من النزاع إلى هواها. وكذلك أنا لست بمستقيم لآل لأم، لأن في قلبي عليهم أشياء. فهو تشبيه شيء بشيء. وانظر اللسان رقق 1695 وضغن 3593 والبحر 8/71.
[51509]:هذا اختيار أبي منصور الأزهري في الصحاح ضغن وأبي عبيد عن الأحمر.
[51510]:كذا وجد في اللسان والصحاح ض غ ن والبحر 8/71، بشطر واحد كما هو أعلى. وكذا رواه القرطبي في الجامع 16/252 ومعنى مضطغن حامله في حجره. بقي أن أقول: إن الشطر هذا رجز ولم أعرف قائله ولعله من مشطور الرجز وليس جزءا منه.
[51511]:كذا في النسختين كالبحر المحيط لأبي حيان والأصح كتابته كالآتي: إذا أضغنت سلاحي عند مغرضها ........................................ وهو صدر بيت من البسيط لتميم بم مقبل عجزه: ................................. ومرفق كرئاس السيف إذ شسفا والمغرض جانب البطن أسفل الأضلاع و "رئاس السيف" مقبضه. واليابس هو معنى الشاسف من الضمر والهزال. والشاهد: أن اضطغنت هو احتضنت. ولم أهتد للبيت في الديوان. وانظر البيت في القرطبي 16/252 واللسان ضغن والبحر 8/71 بصدر فقط.
[51512]:زيادة من أ.
[51513]:القرطبي 16/252.