فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{أَمۡ حَسِبَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخۡرِجَ ٱللَّهُ أَضۡغَٰنَهُمۡ} (29)

{ أم } أي : بل أ { حسب الذين في قلوبهم مرض } يعني المنافقين الذين فصلت أحوالهم الشنيعة ، ووصفوا بوصفهم السابق ، بكونه المدار في النعي عليهم بقوله { أن لن يخرج الله أضغانهم } والمعنى : أن ذلك مما لا يكاد أن يدخل تحت الاحتمال ، والإخراج بمعنى الإظهار ، والأضغان جمع ضغن ، وهو ما يضمر من المكروه ، واختلف في معناه فقيل : هو الغش ، وقيل : الحسد ، وقيل : الحقد ، قال الجوهري : الضغن والضغينة الحقد قال قطرب : هو في الآية العداوة ، وأن هي المخففة من الثقيلة ، وإسمها ضمير شان مقدر ، قال ابن عباس : أضغانهم أعمالهم ، خبثهم والحسد الذي في { الله مولى الذين آمنوا } أي ناصرهم ووليهم { وأن الكافرين لا مولى لهم } أي لا ناصر يدفع عنهم كما يؤخذ من مقابله ، وهذا لا يخالف قوله { ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق } ، فإن المولى فيه بمعنى المالك لا بمعنى الناصر ، قال قتادة : نزلت يوم أحد ، وقرأ ابن مسعود : { ولي الذين } .

{ إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار } قد تقدم تفسير الآية في غير موضع ، وتقدم كيفية جري الأنهار من تحت الجنات ، والجملة مسوقة لبيان ولاية الله للمؤمنين وثمرتها الأخروية { والذين كفروا يتمتعون } بمتاع الدنيا أياما قلائل ، وينتفعون به غير متفكرين في العاقبة .

{ ويأكلون كما تأكل الأنعام } في معالفها ومسارحها غافلة عما هي بصدده من النحر والذبح ، والمعنى كأنهم أنعام ليس لهم همة إلا بطونهم وفروجهم ، ساهون عن العاقبة لاهون بما هم فيه ، لا يلتفتون إلى الآخرة { والنار مثوى لهم } أي مقام يقيمون به ، ومنزل ينزلونه ويستقرون فيه ، ومصير يصيرون إليه ، والجملة في محل نصب على الحال أو مستأنفة .

ثم خوف الله سبحانه الكفار بأنه قد أهلك من هو أشد منهم فقال :

{ وكأين من قرية } قد قدمنا أن كأين مركبة من الكاف وأي ، وأنها بمعنى كم الخبرية أي وكم من قرية ، والمعنى كم من أهل قرية كذبت رسلها { هي } أي هم { أشد قوة من } أهل { قريتك التي أخرجتك } أي أخرجوك منها { أهلكناهم } فكذلك نفعل بأهل قريتك فاصبر كما صبر رسل أهل هؤلاء القرى قال مقاتل : أي أهلكناهم بالعذاب حين كذبوا رسلهم .