تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَالُواْ لِلَّذِينَ كَرِهُواْ مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ سَنُطِيعُكُمۡ فِي بَعۡضِ ٱلۡأَمۡرِۖ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ إِسۡرَارَهُمۡ} (26)

24

المفردات :

إسرارهم : قالوا ذلك سرا فأظهره الله تعالى الذي يعلم السر وأخفى ، والإسرار : مصدر السِّر ، وقرئ بفتح الهمزة : أسرارهم ، جمع سر .

التفسير :

26- { ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر والله يعلم إسرارهم } .

ذلك الارتداد والعمى ، والكفر بعد الإيمان ، بسبب أنهم بيتوا السوء والكيد للمسلمين ، فقال المنافقون لليهود الذين كرهوا ما أنزل الله تعالى من القرآن الكريم على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم حقدا وحسدا ، على أن يتفضل الله بهذه النعم على رجل من نسل إسماعيل ، وليس من نسل إسحاق .

وفيهم قال سبحانه : { أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله . . . } ( النساء : 54 ) .

لقد قال المنافقون لليهود سرا : نحن أولياؤكم سنطيعكم في بعض الأمر ، وهو عداوة محمد صلى الله عليه وسلم ، والتكاسل عن الجهاد معه ، والانضمام إليكم إذا أخرجتم من المدينة ، ونصركم عند القتال ، والله تعالى مطلع على خفاياهم وخباياهم وإسرارهم ، وإسرارهم بالكسر مصدر السّر ، وقرئ بفتح الهمزة : أسرارهم ، جمع سر ، فهو عالم بالخفايا ، يحاسبهم يوم القيامة على ما تكن صدورهم من عداوة للإسلام والمسلمين .

وفي معنى هذه الآية قوله تعالى : { أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ( 11 ) لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ ( 12 ) } . ( الحشر : 11 ، 12 ) .

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَالُواْ لِلَّذِينَ كَرِهُواْ مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ سَنُطِيعُكُمۡ فِي بَعۡضِ ٱلۡأَمۡرِۖ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ إِسۡرَارَهُمۡ} (26)

{ ذلك } إشارة إلى ما ذكر من ارتدادهم لا إلى الإملاء كما نقل عن الواحدي ولا إلى التسويل كما قيل لأن شيئاً منهما ليس مسبباً من القول الآتي ، وهو مبتدأ خبره قوله تعالى : { بِأَنَّهُمْ } أي بسبب أنهم { قَالُواْ } يعني المنافقين { لِلَّذِينَ كَرِهُواْ مَا نَزَّلَ الله } هم بنو قريظة . والنضير من اليهود الكارهين لنزول القرآن على النبي عليه الصلاة والسلام مع علمهم بأنه من عند الله تعالى حسداً وطمعاً في نزوله على أحد منهم { سَنُطِيعُكُمْ فِى بَعْضِ الامر } أي في بعض أموركم وأحوالكم وهو ما حكي عنهم في قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين نافقوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلاَ نُطِيعُ فيكُمْ } [ الحشر : 11 ] وقيل : في بعض ما تأمرون به كالتناصر على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقيل : القائلون اليهود الكافرون به صلى الله عليه وسلم بعد ما وجدوا نعته الشريف في كتابهم والمقول لهم المنافقون كان اليهود يعدونهم النصرة إذا أعلنوا بعداوة رسول الله عليه الصلاة والسلام ، وقيل : القائلون أولئك اليهود والمقول لهم المشركون كانوا يعدونهم النصرة أيضاً إذا حاربوا . وتعقب كلا القولين بأن كفر اليهود به عليه الصلاة والسلام ليس بسبب هذا القول ولو فرض صدوره عنهم على رأي القائل بل من حيث إنكارهم بعثه عليه الصلاة والسلام وقد عرفوه كما عرفوا أبناءهم وآباءهم ، ومنه يعلم ما في قول بعضهم : إن القائلين هم المنافقون واليهود والمقول لهم المشركون ، وما فسرنا به الآية الكريمة مروى عن الحبر رضي الله تعالى عنه { والله يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ } أي إخفاءهم ما يقولونه لليهود أو كل قبيح ويدخل ذلك دخولاً أولياً . وقرأ الجمهور { إِسْرَارَهُمْ } بفتح الهمزة أي يعلم الأشياء التي يسرونها ومنها قولهم هذا الذي أظهره سبحانه لتفضيحهم ، وقال الإمام : الأظهر أن يقال المراد يعلم سبحانه ما في قلوبهم من العلم بصدق رسوله صلى الله عليه وسلم ، وفيه ما لا يخفى ، والجملة اعتراض مقرر لما قبله متضمن للوعيد .