تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدٗا} (28)

27

المفردات :

ليظهره على الدين كله : ليعليه على سائر الأديان ، حقها وباطلها ، وأصل الإظهار : جعل الشيء باديا ظاهرا للرائي ، ثم شاع استعماله في الإعلاء .

التفسير :

28- { هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا } .

الله تعالى هو الذي أرسل رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بالهداية والإصلاح والإرشاد والتعاليم النافعة ، والآداب السامية ، وبدين الإسلام ، وهو دين الحق المشتمل على توحيد الله تعالى ، والإيمان برسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، والإيمان بالملائكة والكتب والرسل ، والعبادات والمعاملات ، ومكارم الأخلاق ، هذا الدين هو خاتم الأديان ، وقد جمع محاسنها ، وتخلص من شوائبها ، هذا الدين هو الدين الوسط ، المشتمل على الأحكام والتشريع ، وفي نفس الوقت مشتمل على إحياء الضمير ، وإيقاظ الهمة للخير ، دين جمع بين الأحكام والهداية ، بين التشريع وإصلاح القلب ، وأمته هي الأمة الوسط ، التي وجدت المنهج والطريق في كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، ووجدت فيهما ما يدعو إلى الهداية والاستقامة ، والعفة وإيثار الفضيلة ومراقبة الله تعالى .

وقد أظهر الله الإسلام في حياة رسوله ، حين فتحت مكة ودخل الناس في دين الله أفواجا ، وحين فتحت بلاد كثيرة في حياة الخلفاء الراشدين ومن جاء بعدهم .

{ وكفى بالله شهيدا } .

على صدق رسوله ، وأنه نبي الله حقا ، ورسوله صدقا ، وفي ذلك رد على سهيل بن عمرو حين قال للنبي صلى الله عليه وسلم : ( لو علمت أنك رسول الله ما حاربتك ، أي أن الله يشهد بأنه ، هو الذي أرسل رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم ، بالهداية ودين الحق وهو دين الإسلام ، لينصر هذا الدين على كل دين سماوي أو أرضي ، لأن الإسلام لا يتعارض مع الأديان السماوية السابقة ، بل هو مشتمل عليها ، ومتمم لما جاء فيها ، لأنه دين الفطرة والواقع والإنسانية الراشدة ، { وكفى بالله شهيدا } . على صدق هذا الدين ، وعلى صدق الرسول الأمين محمد صلى الله عليه وسلم .

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدٗا} (28)

{ هُوَ الذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بالهدى } أي ملتبساً به على أن الباء للملابسة ، والجار والمجرور في موضع الحال من المفعول ، والتباسه بالهدي بمعنى أنه هاد ، وقيل : أي مصاحباً للهدي ، والمراد به الدليل الواضح والحجة الساطعة أو القرآن ، وجوز أن تكون الباء للسببية أو للتعليل وهما متقاربان ، والجار والمجرور متعلق بأرسل أي أرسله بسبب الهدي أو لأجله { وَدِينِ الحق } وبدين الإسلام ، والظاهر أن المراد به ما يعم الأصول والفروع ، وجوز أن يراد بالهدي الأصول وبدين الحق الفروع فإن من الرسل عليهم السلام من لم يرسل بالفروع وإنما أرسل بالأصول وتبيانها ، والظاهر أن المراد بالحق نقيض الباطل ، وجوز أن يراد به ما هو من أسمائه تعالى أي ودين الله الحق ، وجوز الإمام غير ذلك أيضاً { لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدين كُلّهِ } ليعليه على جنس الدين بجميع أفراده أي ما يدان به من الشرائع والملل فيشمل الحق والباطل ، وأصل الإظهار جعل الشيء على الظهر فلذا كني به عن الإعلاء وعن جعله بادياً للرائي ثم شاع في ذلك حتى صار حقيقة عرفية ، وإظهاره على الحق بنسخ بعض أحكامه المتبدلة بتبدل الاعصار ، وعلى الباطل ببيان بطلانه ، وجوز غير واحد ولعله الأظهر بحسب المقام أن يكون إظهاره على الدين بتسليط المسلمين على جميع أهل الأديان وقالوا : ما من أهل دين حاربوا المسلمين إلا وقد قهرهم المسلمون ، ويكفي في ذلك استمرار ما ذكر زماناً معتداً به كما لا يخفى على الواقفين على كتب التواريخ والوقائع ، وقيل : إن تمام هذا الإعلاء عند نزول عيسى عليه السلام وخروج المهدي رضي الله تعالى عنه حيث لا يبقى حينئذ دين سوى الإسلام ، ووقوع خلاف ذلك بعد لا يضر إما لنحو ما سمعت وإما لأن الباقي من الدنيا إذ ذاك كلا شيء ، وفي الجملة فضل تأكيد لما وعد الله تعالى به من الفتح وتوطين لنفوس المؤمنين على أنه تعالى سيفتح لهم من البلاد ويتيح لهم من الغلبة على الأقاليم ما يستقلون بالنسبة إليه فتح مكة { وكفى بالله شَهِيداً } على أن ما عده عز وجل من إظهار دينه على جميع الأديان أو الفتح كائن لا محالة أو كفى بالله شهيداً على رسالته صلى الله عليه وسلم لأنه عليه الصلاة والسلام ادعاها وأظهر الله تعالى المعجزة على يده وذلك شهادة منه تعالى عليها ، واقتصر على هذا الوجه الرازي وجعل ذلك تسلية عما وقع من سهيل بن عمرو إذ لم يرض بكتابة محمد رسول الله وقال ما قال .

وجعل بعض الأفاضل إظهار المعجزة شهادة منه تعالى على تحقق وعده عز وجل أيضاً ولا يظهر إلا بضم إخبار عليه الصلاة والسلام به .