تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَن نُّؤۡمِنَ بِهَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ وَلَا بِٱلَّذِي بَيۡنَ يَدَيۡهِۗ وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذِ ٱلظَّـٰلِمُونَ مَوۡقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمۡ يَرۡجِعُ بَعۡضُهُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٍ ٱلۡقَوۡلَ يَقُولُ ٱلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ لِلَّذِينَ ٱسۡتَكۡبَرُواْ لَوۡلَآ أَنتُمۡ لَكُنَّا مُؤۡمِنِينَ} (31)

{ وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرءان ولا بالذي بين يديه ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم على بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين( 31 ) قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين( 32 ) وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون( 33 ) }

المفردات :

الذين كفروا : المشركون من أهل مكة .

ولا بالذي بين يديه : من الكتب السابقة الدالة على البعث كالتوراة والإنجيل .

المنافقون : المنكرون للبعث .

موقوفون : محبوسون في موقف الحساب .

يرجع بعضهم إلى بعض القول : يتحاورون ويتراجعون الكلام فيما بينهم باللوم والعتاب .

اللذين استضعفوا : في الدنيا من الكافرون . وهم الأتباع .

الذين استكبروا : الرؤساء والقادة .

لولا انتم : لولا إضلالكم وصدكم لنا عن الإيمان وإغراؤكم لنا بالكفر .

لكنا مؤمنين : بالتباع الرسول .

31

التفسير :

{ وقال اللذين كفروا لن نؤمن بهذا القران ولا بالذي بين يديه ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين } .

روى أن أهل مكة سألوا أهل الكتاب عن محمد فاخبروهم أنهم يجدون صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتبهم فأغضبهم ذلك وكفروا بالقرآن وبالكتب السابقة عليه وقيل إن الذي كفروا به هو يوم القيامة أي أنهم كفروا بالقرآن وبما جاء به من البعث والجزاء .

ومعنى الآية : تعنت الكافرين وأعلنوا صدودهم وكفرهم بالقرآن وبما سبقه من الكتب السماوية هذا في الدنيا أما في الآخرة فلو ترى يا كل من هو أهل للرؤية مشهد للقيامة ، وترى الظالمين الكافرين محجوزين عند الله الذي بيده الخلق والأمر وتبدأ الخصومة الشديدة بين الأتباع البسطاء بين القادة الأقوياء كل فريق يريد أن يتلقى التبعة على الآخر .

يقول الفقراء الذين تنازلوا عن استخدام عقولهم وأفكارهم اتباعا للقادة الكبراء في الدنيا يقولون للذين استكبروا عن الإيمان لولا أنكم كنتم قدوة لنا كلنا مؤمنين بالرسل وباليوم الآخر وكانت لنا نجاة من هذا العذاب المهين في هذا اليوم .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَن نُّؤۡمِنَ بِهَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ وَلَا بِٱلَّذِي بَيۡنَ يَدَيۡهِۗ وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذِ ٱلظَّـٰلِمُونَ مَوۡقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمۡ يَرۡجِعُ بَعۡضُهُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٍ ٱلۡقَوۡلَ يَقُولُ ٱلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ لِلَّذِينَ ٱسۡتَكۡبَرُواْ لَوۡلَآ أَنتُمۡ لَكُنَّا مُؤۡمِنِينَ} (31)

ولما دل سبحانه بملازمتهم للاستهزاء بهذا الإنذار على أنهم غير منفكين عن مذاهب الكفار ، ذكر تصريحهم بذلك وحالهم في بعض الأوقات المنطبقة عليها الآية السالفة في قوله : { وقال الذين كفروا } حيث عبر بالموصول وصلته في موضع الضمير ، واكتفى بالماضي هنا لصراحته {[56915]}في المقصود وكفايته في الحكم بالكفر ، فقالوا مؤكدين قطعاً للأطماع عن دعائهم : { لن نؤمن }{[56916]} أي نصدق أبداً{[56917]} ، وصرحوا بالمنزل عليه صلى الله عليه وسلم بالإشارة فقالوا : { بهذا القرآن } أي وإن جمع جميع{[56918]} الحكم والمقاصد المضمنة{[56919]} لبقية الكتب { ولا بالذي بين يديه } أي قبله من الكتب : التوراة والإنجيل وغيرهما . بل نحن قانعون بما أدبنا به آباؤنا ، وذلك أن بعض أهل الكتاب أخبروهم أن صفة هذا النبي عندهم في كتبهم ، فأغضبهم ذلك فقالوه{[56920]} : { ولو } أي والحال أنك { ترى } أي يوجد منك رؤية لحالهم { إذ } هم - هكذا كان{[56921]} الأصل ، ولكن أظهر الوصف تعميماً وتعليقاً للحكم به فقال : { الظالمون } أي الذين يضعون الأشياء في غير محالها فيصدقون آباءهم لإحسان يسير مكدر بغير دليل ، ولا يصدقون ربهم الذي لا نعمة عندهم ولا عند آبائهم إلا منه ، وقد أقام لهم أدلة العقل بما ضرب لهم من الأمثال في الآفاق وفي أنفسهم ، والنقل بهذا القرآن المدلول على صدقه بعد إظهار المعجزات المحسوسات بعجزهم عنه ، فكأنهم سمعوه من الله المنعم الحق { موقوفون } أي بعد البعث بما يوقفهم من قدرته بأيدي جنوده أو بغيرها{[56922]} بأيسر أمر منه سبحانه قهراً لهم وكرهاً منهم : { عند ربهم } أي الذي أحسن إليهم فطال إحسانه فكفروا كلما أحسن به إليهم { يرجع بعضهم } أي على وجه الخصام عداوة . و{[56923]} كان سببها مواددتهم في الدنيا بطاعة بعضهم لبعض في معاصي الله ، قال القشيري : ومن عمل بالمعاصي أخرج الله عليه كل من هو أطوع له ، ولكنهم لا يعلمون ذلك ، ولو علموا لاعتبروا ، ولو اعتبروا لتابوا وتوافقوا ، ولكن ليقضي الله أمراً كان مفعولاً { إلى بعض القول{[56924]} } أي {[56925]}بالملاومة والمباكتة{[56926]} والمخاصمة ، لرأيت{[56927]} أمراً فظيعاً منكراً هائلاً شنيعاً مقلقاً وجيعاً{[56928]} يسرك منظره ، ويعجبك منهم أثره ومخبره ، من ذلهم وتحاورهم وتخاذلهم حيث لا ينفعهم شيء من ذلك .

ولما كان هذا مجملاً ، فسره بقوله على سبيل الاستئناف : { يقول الذين استضعفوا } أي وقع استضعافهم ممن هو فوقهم في الدنيا وهم الأتباع في تلك الحالة{[56929]} على سبيل اللوم والتأنيب { للذين استكبروا } أي أوجدوا الكبر وطلبوه بما وجدوا من أسبابه التي أدت إلى استضعافهم للأولين وهم الرؤوس المتبوعون : { لولا أنتم } أي مما وجد من استتباعكم لنا على الكفر وغيره من أموركم { لكنا مؤمنين * } أي عريقين في الإيمان لأنه لم يكن عندنا كبر من أنفسنا يحملنا على العناد للرسل .


[56915]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[56916]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[56917]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: بدا.
[56918]:سقط من ظ.
[56919]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: المتضمنة.
[56920]:من ظ ومد، وفي الأصل وم: فقالوا.
[56921]:سقط من ظ وم.
[56922]:زيد ما بين الحاجزين من ظ وم ومد.
[56923]:زيد من مد.
[56924]:ليس في الأصل فقط.
[56925]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: بالملازمة والمباكة.
[56926]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: بالملازمة والمباكة.
[56927]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: أرأيت.
[56928]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: وجمعيا.
[56929]:في ظ وم ومد: الحال.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَن نُّؤۡمِنَ بِهَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ وَلَا بِٱلَّذِي بَيۡنَ يَدَيۡهِۗ وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذِ ٱلظَّـٰلِمُونَ مَوۡقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمۡ يَرۡجِعُ بَعۡضُهُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٍ ٱلۡقَوۡلَ يَقُولُ ٱلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ لِلَّذِينَ ٱسۡتَكۡبَرُواْ لَوۡلَآ أَنتُمۡ لَكُنَّا مُؤۡمِنِينَ} (31)

قوله تعالى : { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآَنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ ( 31 ) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ ( 32 ) وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الأغْلالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } .

هذه الآيات تصوِّر للذهن حال المشركين وهم مجموعون ليوم الحساب ؛ إذ يتلاومون فيما بينهم ويُنْحي كل فريق منهم باللوم على الآخر ، وقد أيقنوا جميعا أنهم خاسرون وأنهم صائرون إلى النار وبئس القرار .

وفي هذه الآيات يخبر الله تعالى عن طغيان المشركين وإصرارهم على الجحود في معاندة بالغة ومكابرة عمياء ، فهو يخبر عن مقالة المشركين من أهل مكة ، وهم يتلبَّسون بالكفران الشديد من غير حجة ولا برهان ؛ إذ قالوا : { لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآَنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ } وذلك إصرارهم على التكذيب بكتاب الله الحكيم ، وبما تقدمه من الكتب السماوية والنبيين عليهم الصلاة والسلام ، وقيل : المراد بالذي بين يديه : يوم القيامة . فقد ذكر أن أهل الكتاب قد حدثوا المشركين عن صفة محمد صلى الله عليه وسلم في كتبهم فطلبوا منهم أن يسألوه عن ذلك ، فلما سألوه ووافق ما قاله أهل الكتاب ، قال المشركون حينئذ : لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي أنزل من قبله من التوراة والإنجيل ، بل نكفر بالجميع ، وكانوا قبل ذلك يراجعون أهل الكتاب ويحتجون بقولهم ، وذلكم هو العناد البغيض ، والضلال المعاني الذي يلفّ أذهان الضالين المضلين من الناس . أولئك الذين يتولون جامحين هربا من دعوة الحق ، ويفرّون مستنفرين لجوجين كراهية أن يستمعوا لدين الله القويم ، ومنهجه العظيم الذي يحمل للبشرية كل قواعد الخير والحق والعدل والفضيلة والرحمة ، وذلكم هو الإسلام .

قوله : { وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ } وذلك إخبار عن شدة الهول الذي يحيط بالكافرين يوم الحساب وهم محبوسون ذليلون خزايا ؛ إذ ليس لهم حينئذ من ظهير ولا نصير ولا مجير ، فيتلاومون فيما بينهم ويتحاجون متخاصمين { يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ } أي يتراجعون الكلام فيما بينهم باللوم والعتاب بعد أن كانوا في حياتهم الدنيا متحالفين أخلاء . وجواب لو محذوف ، وتقديره : لرأيت أمرا هائلا جللا ، وخَطْبا فظيعا مَخوفا .

قوله : { يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ } { أنتم } ضمير منفصل في موضع رفع مبتدأ وخبره محذوف{[3814]} وذلك من جملة المحاجَّة التي يتخاصم بها الظالمون الخاسرون ، وهم فريقان : فريق المستضعفين الذين استذلهم السادة والكبراء واستضعفوهم في الدنيا فأضلوهم وأغووهم . ثم فريق المستكبرين ، وهم القادة والرؤساء ، وفي هذا التخاصم والتحاجج يتلاوم الفريقان تلاوما عنيفا وهم جميعا يحيط بهم الرعب والابتئاس المطبق ، فيقول المستضعفون للمستكبرين : لولا أنكم كنتم تصدوننا عن دين الله الحق فأغويتمونا وأضللتمونا لكنا قد آمنا واهتدينا إلى الصواب واتباع الرسل فكنا من أهل النجاة .


[3814]:البيان لابن الأنباري ج 2 ص 281