تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{يَعۡلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا يَخۡرُجُ مِنۡهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعۡرُجُ فِيهَاۚ وَهُوَ ٱلرَّحِيمُ ٱلۡغَفُورُ} (2)

1

{ يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو الرحيم الغفور } .

المفردات :

يلج في الأرض : يدخل فيها كالماء ينفذ في موضع وينبع في آخر ، وكالكنوز والدفائن والأموات .

وما يخرج منها : كالزروع والنباتات والحيوان والفلزات وماء العيون .

وما ينزل من السماء : من الأمطار والثلوج والبرد والصواعق والأرزاق والملائكة والكتب والمقادير .

وما يعرج فيها : يصعد فيها من أعمال العباد والأبخرة والأدخنة والملائكة وغير ذلك .

التفسير :

إن علم الله تعالى يمتد ليشمل كل شيء في هذا الكون لا يشغله شأن هن شأن فيشمل علمه ما يدخل في الأرض من حبة أو دودة ، أو حشرة أو هامة أو زاحفة تلج في أقطارها المترامية أو قطرة ماء أو ذرة غاز ، أو إشعاع كهرباء يندس في أرجاء الأرض الفسيحة ، أو غير ذلك مما لا حصر له ولا عدد تراه عين الله التي لا تنام .

قال تعالى : { ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين } . ( الأنعام : 59 ) .

ويعلم ما يخرج من الأرض من نبات ونبع ماء وثمار وأشجار وبراكين تنفجر وزلازل ومعادن وبترول ، وغير ذلك مما يكون حياة ورزقا أو عذابا وعقوبة ويعلم سبحانه ما ينزل من السماء من الأرزاق والمطار والشهب والرحمات والكتب والوحي والضوء والحرارة والأشعة والملائكة والإلهام والخيرات للمتقين والعذاب والنكال للمكذبين .

ويعلم سبحانه ما يعرج في السموات من دعوات صالحات وملائكة وأبخرة وصواريخ وموجات لاسلكية وأضواء منعكسة من الأرض إلى غير ذلك مما يعلمه علام الغيوب وهو الكامل الرحمة بعباده ، واسع المغفرة وعلم الله تعالى ممتد يحيط بالمخلوقات كلها وبالأكوان كلها في كل مكان وفي كل زمان وبكل قلب وما فيه من نوايا وخواطر وما له من حركات وسكنات تحت عين الله التي لا تغفل ولا تنام .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{يَعۡلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا يَخۡرُجُ مِنۡهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعۡرُجُ فِيهَاۚ وَهُوَ ٱلرَّحِيمُ ٱلۡغَفُورُ} (2)

ولما ختم بصفة الخبر ، أتبع ذلك ما يدل عليه فقال : { يعلم ما يلج في الأرض } أي هذا الجنس من المياه {[56327]}والأموال{[56328]} ، والأموات ، وقدم هذا لأن الشيء يغيب في التراب أولاً ثم يسقى فيخرج { وما يخرج منها } من المياه والمعادن والنبات { وما ينزل من السماء } أي هذا الجنس من حرارة وبرودة {[56329]}وماء{[56330]} وملك وغير ذلك { وما يعرج } ولما كانت السماوات{[56331]} أجساماً كثيفة متراقية ، لم يعبر بحرف الغاية كما في قوله تعالى{ إليه يصعد الكلم الطيب }[ فاطر : 10 ] بل قال : { فيها } أي{[56332]} من الأعمال والملائكة وكل ما يتصاعد من الأرض في جهة العلو وأنتم كما ترونه يميز كل شيء عن مشابهه ، فيميز ما له أهلية التولد من الماء والتراب في الأرض من النباتات{[56333]} عن بقية الماء والتراب على اختلاف أنواعه{[56334]} مميزاً بعضه من بعض ، ومن المعادن الذهب والفضة والحديد والنحاس والرصاص إلى غير ذلك ، مع أن الكل ما يخالط الزاب ، فكيف يستبعد عليه أن يحي الموتى لعسر تمييز تراب كل ميت بعد التمزق والاختلاط من تراب آخر .

ولما كان الحاصل من هذا المتقدم{[56335]} أنه رب كل شيء ، وكان الرب لا تنتظم ربوبيته إلا بالرفق والإصلاح{[56336]} ، وكان ربما ظن جاهل انه لا يعلم أعمال الخلائق لأنه لو علمها ما أقر عليها ، اعلم أن رحمته سبقت غضبه ، ولذلك قدم صفة الرحمة ، ولأنه في سياق الحمد ، فناسب تقديم الوصف الناظر إلى التكميل على الوصف النافي{[56337]} للنقص فقال : { وهو } أي{[56338]} والحال أنه وحده مع كثرة نعمه المقيمة للأبدان { الرحيم } أي المنعم بما ترضاه الإلهية من إنزال الكتب وإرسال الرسل لإقامة الأديان { الغفور * } أي المحاء للذنوب أما من اتبع ما أنزل من ذلك كما بلغته الرسل فبالمحو عيناً وأثراً حتى لا يعاقبهم على ما سلف منها ولا يعاتبهم ، وأما غيره فالتكفير بأنواع المحن أو التأخير إلى يوم الحشر .


[56327]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[56328]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[56329]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[56330]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[56331]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: السماء.
[56332]:سقط من ظ.
[56333]:في ظ وم ومد: النبات.
[56334]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: أنواع.
[56335]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: التقدم.
[56336]:في ظ: الاصطلاح.
[56337]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: الثاني.
[56338]:زيد من ظ وم ومد.