تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ شُرَكَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلۡأَرۡضِ أَمۡ لَهُمۡ شِرۡكٞ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ أَمۡ ءَاتَيۡنَٰهُمۡ كِتَٰبٗا فَهُمۡ عَلَىٰ بَيِّنَتٖ مِّنۡهُۚ بَلۡ إِن يَعِدُ ٱلظَّـٰلِمُونَ بَعۡضُهُم بَعۡضًا إِلَّا غُرُورًا} (40)

{ قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السموات أم ءايتناهم كتابا فهم على بينات منه بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا }

المفردات :

أرأيتم شركاءكم : أخبروني عن آلهتكم الذين أشركتموهم في العبادة .

شرك في السموات : نصيب في خلقها .

بينة : حجة ظاهرة .

غرور : أباطيل تغر وهي قول الرؤساء للأتباع إن هذه الآلهة تنفعكم وتقربكم إلى الله .

التفسير :

هذه الآية مناقشة ومواجهة للمشركين عباد الأصنام أو لكل مشرك يعبد غير الله من الجن أو الملائكة أو البقر أو غير ذلك .

والمعنى : أخبروني عن هؤلاء الشركاء الذين جعلتموهم شركاء لله في العبادة ، هل خلقوا شيئا في هذه الأرض وهي تشهد كلها بوحدانية الصانع سبحانه وأنه ليس له شريك ؟ وهل هذه الأصنام أو الشركاء شاركوا في خلق السموات وهي بكل ما فيها من علو وأبراج وشموس وأقمار وليل ونهار تنطق بأنها صنعة الله الواحد القهار ؟ وهل أنزلنا كتابا من السماء على هؤلاء الشركاء بأنهم آلهة يستحقون العبادة ؟ ويتسع المعنى لأن يكون أيضا كالآتي هل أنزلنا عليكم يا كفار مكة كتابا من السماء فأنتم منه على بينة ودليل بأن الأصنام التي تعبدونها آلهة تستحق العبادة ؟ والاستفهام في الثلاثة استفهام إنكاري جوابه : أن الأصنام لم تشارك في خلق الأرض ولم تشارك في خلق السماء حتى تستحق العبادة ، ولم ينزل كتاب من السماء يبين ويؤكد أن الأصنام تستحق العبادة ، ولما تقرر نفي أنواع الحجج أضرب عنهم بذكر ما حملهم على الشرك فقال :

{ بل عن يعد الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا }

أي : إن الذي حملهم على الشرك هو تغرير الرؤساء للأتباع وقولهم : إن الأصنام ترجى شفاعتها والحقيقة أنها لا تنفع ولا تضر ولا تسمع ولا تشفع وقوله : ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى . ( الزمر : 3 ) ما هي إلا أباطيل اقترفوها وستلقى هذه الأصنام في النار مع عبادها مهينة ذليلة هي ومن عبدها .

قال تعالى : والذين تدعون من دونه ما يملكون من قمطير إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير . ( فاطر : 13-14 ) .

وقال تعالى : احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون* من دون الله فأهدوهم إلى صراط الجحيم . ( الصافات : 2223 ) .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ شُرَكَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلۡأَرۡضِ أَمۡ لَهُمۡ شِرۡكٞ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ أَمۡ ءَاتَيۡنَٰهُمۡ كِتَٰبٗا فَهُمۡ عَلَىٰ بَيِّنَتٖ مِّنۡهُۚ بَلۡ إِن يَعِدُ ٱلظَّـٰلِمُونَ بَعۡضُهُم بَعۡضًا إِلَّا غُرُورًا} (40)

ولما بيّن أنه سبحانه هو الذي استخلفهم ، أكد بيان ذلك عندهم بأمره صلى الله عليه وسلم بما يضطرهم إلى الإعتراف به فقال : { قل أرءيتم } أي أخبروني { شركاءكم } أضافهم إليهم لأنهم وإن كانوا جعلوهم شركاءه لم ينالوا شيئاً من شركته لأنهم ما نقصوه شيئاً من ملكه ، وإنما شاركوا العابدين في أموالهم بالشوائب وغيرها وفي أعمالهم فهم شركاؤهم بالحقيقة لا شركاؤه ، ثم بين المراد من عدهم لهم شركاء بقوله : { الذين تدعون } أي تدعونهم شركاء { من دون الله } أي الذي له جميع صفات الكمال .

ولما كان التقدير : بأي شيء جعلتموهم شركاء في العبادة ، ألهم شرك في الأرض ، بنى عليه قوله مكرراً لإشهادهم عجز شركائهم ونقص من عبدوه من دونه : { أروني ماذا } أي الذي أو أيّ شيء { خلقوا من الأرض } أي لتصح لكم دعوى الشركة فيهم ، وإلا فادعاؤكم ذلك فيهم كذب محض وأنتم تدعون أنكم أبعد الناس منه في الأمور الهينة فكيف بمثل هذا ، ولعل استفهامهم عن رؤية شركائهم تنبيه على أنهم من الامتهان والحقارة بحيث يراهم كل من يقصد رؤيتهم ويعلم أنه لا خلق لهم ، والله تعالى ، بخلاف ذلك في كل من الأمرين ، مترد برداء الكبر محتجب بحجاب الجلال والعز ، وكل أحد يعلم أنه خالق لكل مخلوق ، فكيف يكون من لا يخلق كمن يخلق .

ولما نبههم بهذا الأمر الذي ساقه المعلم بأنه لا ينبغي لعاقل أن يدعي شركة لشيء حتى يعلم الشركة وإن جهل عين المشارك فيه ، قال مؤكداً لذلك موسعاً لهم في المحال ، زيادة في تبكيتهم على ما هم فيه من الضلال : { أم لهم شرك } أي وإن كان قليلاً { في السماوات } أي أروني ما خلقوا في السماوات ، فالآية من الاحتباك : حذف أولاً الاستفهام عن الشركة في الأرض لدلالة مثله في السماء ثانياً عليه ، وحذف الأمر بالإراءة ثانياً لدلالة مثله أولاً عليه .

ولما أتم التبكيت بالاستفهام عن المرئي ، أتبعه التوبيخ بالاستفهام عن المسموع ، مؤذناً بالالتفات إلى التكلم بمظهر العظمة بشديد الغضب فقال : { أم آتيناهم } أي الشركاء أو المشركين بهم بما لنا من العظمة { كتاباً } أي دالاً على انه من عندنا بإعجازه أو غير ذلك من البراهين القاطعة ثبتت لهم شركة { فهم } أي المشركون { على بينة } أي حجة ظاهرة ، وبينات - على القراءة الأخرى ، أي دلائل واضحات بما في ذلك الكتاب من ضروب البيان { منه } أي ذلك الكتاب على أنا أشركناهم في الأمر حتى يشهدوا لهم هذه الشهادة التي لا يسوغون مثلها في إثبات الشركة لعبد من عبيدهم في أحقر الأشياء فكيف يسوغونها في انتقاص الملك الذي لا خير عندهم إلا منه غير هائبين له ولا مستحين منه .

ولما كان التقدير : لم يكن شيء من ذلك فليسوا على بيان ، بل على غرور ، قال منبهاً لهم على ذميم أحوالهم وسفه آرائهم وخسة هممهم ونقصان عقولهم مخبراً أنهم لا يقدرون على الإتيان بشيء مما به يطالبون وأنه ليس لهم جواب عما عنه يسألون ، وأكده لأجل ظنهم أن أمورهم في غاية الإحكام ، { بل أن } أي ما { يعد الظالمون } أي الواضعون للأشياء في غير مواضعها { بعضهم بعضاً } أي الأتباع للمتبوعين بأن شركاءهم تقربهم إلى الله زلفى وأنها تشفع وتضر ولا تنفع { إلا غروراً * } .