ليظهره على الدين كله : ليعليه على سائر الأديان ، حقها وباطلها ، وأصل الإظهار : جعل الشيء باديا ظاهرا للرائي ، ثم شاع استعماله في الإعلاء .
28- { هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا } .
الله تعالى هو الذي أرسل رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بالهداية والإصلاح والإرشاد والتعاليم النافعة ، والآداب السامية ، وبدين الإسلام ، وهو دين الحق المشتمل على توحيد الله تعالى ، والإيمان برسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، والإيمان بالملائكة والكتب والرسل ، والعبادات والمعاملات ، ومكارم الأخلاق ، هذا الدين هو خاتم الأديان ، وقد جمع محاسنها ، وتخلص من شوائبها ، هذا الدين هو الدين الوسط ، المشتمل على الأحكام والتشريع ، وفي نفس الوقت مشتمل على إحياء الضمير ، وإيقاظ الهمة للخير ، دين جمع بين الأحكام والهداية ، بين التشريع وإصلاح القلب ، وأمته هي الأمة الوسط ، التي وجدت المنهج والطريق في كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، ووجدت فيهما ما يدعو إلى الهداية والاستقامة ، والعفة وإيثار الفضيلة ومراقبة الله تعالى .
وقد أظهر الله الإسلام في حياة رسوله ، حين فتحت مكة ودخل الناس في دين الله أفواجا ، وحين فتحت بلاد كثيرة في حياة الخلفاء الراشدين ومن جاء بعدهم .
على صدق رسوله ، وأنه نبي الله حقا ، ورسوله صدقا ، وفي ذلك رد على سهيل بن عمرو حين قال للنبي صلى الله عليه وسلم : ( لو علمت أنك رسول الله ما حاربتك ، أي أن الله يشهد بأنه ، هو الذي أرسل رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم ، بالهداية ودين الحق وهو دين الإسلام ، لينصر هذا الدين على كل دين سماوي أو أرضي ، لأن الإسلام لا يتعارض مع الأديان السماوية السابقة ، بل هو مشتمل عليها ، ومتمم لما جاء فيها ، لأنه دين الفطرة والواقع والإنسانية الراشدة ، { وكفى بالله شهيدا } . على صدق هذا الدين ، وعلى صدق الرسول الأمين محمد صلى الله عليه وسلم .
{ هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق } : فلذا لا يخلفه رؤياه بل يصدقه فيها .
{ ليظهره على الدين كله } : أي ليُعليه على سائر الأديان بنسخ الحق فيها ، وإبطال الباطل فيها ، أو بتسليط المسلمين على أهلها فيحكمونهم .
{ وكفى بالله شهيدا } : أي انك مرسل بما ذكر أي بالهدى ودين الحق .
وقوله هو الذي أرسل رسوله أي محمد بالهدى ودين الحق أي الإِسلام فكيف إذاً لا يصدقه رؤياه كما ظن البعض وكفى بالله شهيداً على أنك يا محمد مرسل بما ذكر تعالى من الهدى والدين الحق وإظهاره على الدين كله بنسخ الحق الذي فيه وإبطال الباطل الذي ألصق به . أو بتسليط المسلمين على قهر وحكم أهل تلك الأديان الباطلة وقد حصل من هذا شيء كبير .
أخبر بحكم عام ، فقال : { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى } الذي هو العلم النافع ، الذي يهدي من الضلالة ، ويبين طرق الخير والشر .
{ وَدِينِ الْحَقِّ } أي : الدين الموصوف بالحق ، وهو العدل والإحسان والرحمة .
وهو كل عمل صالح مزك للقلوب ، مطهر للنفوس ، مرب للأخلاق ، معل للأقدار .
{ لِيُظْهِرَهُ } بما بعثه الله به { عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ } بالحجة والبرهان ، ويكون داعيا لإخضاعهم بالسيف والسنان .
قوله تعالى : " هو الذي أرسل رسوله " يعني محمدا صلى الله عليه وسلم " ليظهره على الدين كله " أي يعليه على كل الأديان . فالدين اسم بمعنى المصدر ، ويستوي لفظ الواحد والجمع فيه . وقيل : أي ليظهر رسول على الدين كله ، أي على الدين الذي هو شرعه بالحجة ثم باليد والسيف ، ونسخ ما عداه . " وكفى بالله شهيدا " " شهيدا " نصب على التفسير ، والباء زائدة ، أي كفى الله شهيدا لنبيه صلى الله عليه وسلم ، وشهادته له تبين صحة نبوته بالمعجزات . وقيل : " شهيدا " على ما أرسل به ، لأن الكفار أبوا أن يكتبوا : هذا ما صالح عليه محمد رسول الله .
ولما أخبر بهذه الأمور الجليلة الدقيقة المبنية على إحاطة العلم ، عللها سبحانه وبين الصدق فيها بقوله تعالى : { هو } أي وحده { الذي أرسل رسوله{[60505]} } أي الذي{[60506]} لا رسول أحق منه بإضافته إليه - صلى الله عليه وسلم { بالهدى{[60507]} } الكامل الذي يقتضي أن{[60508]} يستقيم به أكثر الناس ، ولو أنه أخبر بشيء يكون فيه أدنى مقال{[60509]} لم يكن الإرسال{[60510]} بالهدى { ودين الحق } أي الأمر الثابت الكامل في الثبات الذي يطابقه الواقع { ليظهره } أي دينه { على الدين كله } دين أهل مكة و-{[60511]}العرب عباد الأصنام ، الذي يقتضي إظهاره عليه{[60512]} دخوله إليها آمناً ، وإظهاره على من سواهم من أهل الأديان الباطلة بأيدي صحابته الأبرار والتابعين{[60513]} لهم بإحسان إظهاراً يتكامل بنزول عيسى عليه الصلاة والسلام مع الرفق بالخلق والرحمة لهم ، فلا يقتل إلا من لا صلاح له أصلاً ، وعلى قدر الجبروت يحصل القهر ، فلأجل ذلك هو يدبر أمره بمثل هذه الأمور التي توجب نصره وتعلي{[60514]} قدره مع الرفق بقومه وجميل الصنع لأتباعه ، فلا بد أن تروا من فتوح أكثر البلاد وقهر الملوك الشداد ما تعرفون به قدرة الله سبحانه وتعالى .
ولما كان في سياق إحاطة العلم ، وكان التقدير : شهد ربه سبحانه بتصديقه{[60515]} في كل ما قاله بإظهار المعجزات على يده ، بنى عليه قوله تعالى { وكفى بالله } أي الذي له الإحاطة بجميع صفات{[60516]} الكمال { شهيداً * } أي ذا رؤية وخبرة بطية كل شيء ودخلته لما له{[60517]} الغنى في أمره ، ولا شهيد في الحقيقة إلا هو سبحانه لأنه {[60518]}لا إحاطة وخبرة ورقبة{[60519]} إلا له سبحانه ، وهو يشهد بكل ما أخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم في هذه الصورة خصوصاً وفي غيرها عموماً .