تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱمۡرَأَتَ نُوحٖ وَٱمۡرَأَتَ لُوطٖۖ كَانَتَا تَحۡتَ عَبۡدَيۡنِ مِنۡ عِبَادِنَا صَٰلِحَيۡنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمۡ يُغۡنِيَا عَنۡهُمَا مِنَ ٱللَّهِ شَيۡـٔٗا وَقِيلَ ٱدۡخُلَا ٱلنَّارَ مَعَ ٱلدَّـٰخِلِينَ} (10)

أمثلة من النساء الكافرات والمؤمنات

{ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ( 10 ) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ( 11 ) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ ( 12 ) }

10

المفردات :

ضرب الله مثلا : ضرب المثل : ذكر حال غريبة ، منها حال أخرى تشاكلها في الغرابة .

تحت عبدين : في عصمتهما .

فخانتاهما : أي : نافقتا فأخفتا الكفر وأظهرتا الإيمان ، وكانت امرأة نوح تقول لقومه : إنه مجنون ، وامرأة لوط تدل قومه على نزول أضيافه عليه ، وقد حفظ الله زوجات الأنبياء من الزنا .

فلم يغنيا عنهما : فلم يفيداهما ، ولم يجزيا عنهما شيئا من عذاب الله .

التفسير :

10- { ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ } .

ضرب الله الأمثال في القرآن ، والمثل قصة عجيبة فيها تشبيه أمر معنوي حسي ، تجسيما للمعنى ، وإبرازا للمعقول في صورة المحسوس ، فهذا نموذج للكفر ولعصيان والطرد من رحمة الله ، يتمثل في زوج نود وزوجة لوط ، كل واحدة منهما كانت زوجة لنبي كريم ، وعبد صالح من عباد الله الصالحين ، والعبودية لله منزلة عليا يتفاضل بها لناس ، وفي صدر سورة الإسراء : { سبحان الذي أسرى بعبده . . . } ( الإسراء : 1 ) .

ومع قرب الزوجة من زوجها ومعايشته في النهار والليل ، ورؤيتها لسلوكه ، وفضل الله عليه ، فإن الإيمان لم يخالط بشاشة قلبها ، فكانت زوجة نوح تسخر منه مع الساخرين ، أو تتهمه بالجنون مع قومها ، أو ترشد قومها إلى كل أمر جديد ، أو دعوة جديدة عند نوح ، لقد كانت خيانتها لنوح خيانة للدعوة التي يحملها ، ولم تكن خيانتها ارتكاب فاحشة الزنا ، لأن الله حفظ نساء الأنبياء من ارتكاب فاحشة الزنا .

وكانت امرأة لوط ترشد قومه إلى الأضياف الذين ينزلون عنده ، فغضب الله عليهما ، ولم يغن نوح أو لوط عنهما من عذاب الله شيئا ، ، وقيل لهما : ادخلا النار مع الداخلين من أمة نوح ولوط .

وهو تهديد لعائشة وحفصة ، وزوجات الرسول عامة ، ولكل إنسان ، مؤدّاه : إن الله أعدّ الجنة لمن أطاعه وإن كان عبدا حبشيا ، وأعد النار لمن عصاه وإن كان حرا قرشيا ، أو منسبا أو قريبا للنبي صلى الله عليه وسلم ، أو زوجة من زوجاته ، فالخلق جميعا عباد الله تعالى ، يتفاضلون عنده بالتقوى ، ويدركون ثوابه بالعمل الصالح .

قال تعالى : { يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير } . ( الحجرات : 13 ) .

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱمۡرَأَتَ نُوحٖ وَٱمۡرَأَتَ لُوطٖۖ كَانَتَا تَحۡتَ عَبۡدَيۡنِ مِنۡ عِبَادِنَا صَٰلِحَيۡنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمۡ يُغۡنِيَا عَنۡهُمَا مِنَ ٱللَّهِ شَيۡـٔٗا وَقِيلَ ٱدۡخُلَا ٱلنَّارَ مَعَ ٱلدَّـٰخِلِينَ} (10)

{ امرأة نوح وامرأة لوط } قيل : اسم امرأة نوح والهة ، واسم امرأة لوط والعة ، وهذا يفتقر إلى صحة نقل .

{ فخانتاهما } قال ابن عباس : خيانة امرأة نوح في أنها كانت تقول إنه مجنون وخيانة امرأة لوط . بأنها كانت تخبر قومه بأضيافه إذا قدموا عليه ، وكانتا مع ذلك كافرتين ، وقيل : خانتا بالزنا ، وأنكر ابن عباس ذلك وقال : ما زنت امرأة نبي قط تنزيها من الله لهم عن هذا النقص ، وضرب الله المثل بهاتين المرأتين للكفار الذين بينهم وبين الأنبياء وسائل كأنه يقول : لا يغني أحد عن أحد ولو كان أقرب الناس إليه كقرب امرأة نوح وامرأة لوط من أزواجهما وقيل : هذا مثال لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم فيما ذكر في أول السورة وهذا باطل لأن الله إنما ضر به الذين كفروا . وامرأة فرعون اسمها آسية وكانت قد آمنت بموسى عليه السلام فبلغ ذلك فرعون فأمر بقتلها ، فدعت بهذا الدعاء فقبض الله روحها ، وروي : في قصصها غير هذا مما يطول وهو غير صحيح .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱمۡرَأَتَ نُوحٖ وَٱمۡرَأَتَ لُوطٖۖ كَانَتَا تَحۡتَ عَبۡدَيۡنِ مِنۡ عِبَادِنَا صَٰلِحَيۡنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمۡ يُغۡنِيَا عَنۡهُمَا مِنَ ٱللَّهِ شَيۡـٔٗا وَقِيلَ ٱدۡخُلَا ٱلنَّارَ مَعَ ٱلدَّـٰخِلِينَ} (10)

قوله : { ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأت نوح وامرأت لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين } هذان مثلان يضربهما الله للناس ، للاستفادة والموعظة وليعلموا أن العقيدة أساس العلائق والروابط بين العباد . فمن كان جاحدا ، مكذبا ، لا يغنيه أهلوه وذووه وصحبه من عذاب الله شيئا . وهو لا محالة في الأخسرين . ومن كان مؤمنا موقنا موصول القلب بالله لا تضره مكائد المجرمين والمتربصين ولا تزعزعه النوائب والفتن من حوله مهما عتت واشتدت . فقد مثّل الله المثل { للذين كفروا امرأت نوح وامرأت لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما } كانتا زوجين لنبيين كريمين صالحين ، فخانت كل واحدة منهما زوجها . فزوجة نوح كانت كافرة ، وكانت تقول للمشركين إن نوحا مجنون فتغريهم به وتحرّضهم عليه . أما امرأة لوط فكانت تدل قومها على أضيافه ، فما يأتيه من أحد إلا وتشير إلى المشركين لتنبئهم بذلك .

وليس المقصود بخيانتهما اقتراف الزنا . فما كان لامرأة نبي أن تزني البتة . ولكن خيانتهما كفرهما وتمالؤهما مع الكافرين على زوجيهما النبيين الصالحين { فلم يغنيا عنهما من الله شيئا } أي لم يغن نوح ولوط . عن امرأتيهما الخائنتين من عذاب الله شيئا . فالنبيان الكريمان لا يملكان دفع العذاب عن المرء إلا بالطاعة وإخلاص العبادة لله .

ثم قيل للزوجين الظالمتين { ادخلا النار مع الداخلين } وهذه عاقبة الذين يخونون النبيين بمعاداتهم والكيد لهم والتمالؤ عليهم مع الكافرين . إن عاقبتهم النار يصلونها مقهورين مذمومين{[4578]} .


[4578]:تفسير الطبري جـ 28 ص 108، 109 وتفسير ابن كثير جـ 4 ص 393.