تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{خَٰشِعَةً أَبۡصَٰرُهُمۡ تَرۡهَقُهُمۡ ذِلَّةٞۚ ذَٰلِكَ ٱلۡيَوۡمُ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ} (44)

36

المفردات :

الأجداث : القبور ، واحدها جدث .

السّراع : واحدهم سريع ، أي مسرعين .

النصب : كل شيء منصوب كالعلم والراية ، وكذا ما ينصب للعبادة ، والأنصاب جمع جمع .

يوفضون : يسرعون .

خاشعة : ذليلة .

ترهقهم : تغشاهم .

التفسير :

43 ، 44- يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون* خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلّة ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون .

اذكر يوم يقومون من قبورهم مسرعين لتلبية النداء ، والوقوف في عرصات القيامة لفصل القضاء ، كأنهم في إسراعهم إلى ساحة القيامة ، كما كانوا في الدنيا يهرولون إلى شيء منصوب : علم أو راية أو صنم من الأصنام .

قال المفسرون :

كان الإسراع إلى المعبودات الباطلة وسائر الطواغيت من عادات المشركين ، وكانوا إذا أبصروا أصنامهم أسرعوا إليها ، يحاول كل منهم أن يستلم الصنم أوّلا ، وفي هذا التشبيه تذكير بسخافة عقولهم ، وتهكّم بإسراعهم إلى الباطل ، وفرارهم من الحق .

خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلّة ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون .

إنهم يحشرون يوم القيامة أذلاء ، منكسرة عيونهم ، تغشاهم المذلة والمهانة والعذاب والهوان في ذلك اليوم ، يوم القيامة ، الذي توعّدهم القرآن به وحذّرهم من عذابه ، لقد كانوا في أعيادهم يسرعون إلى أصنامهم ، فرحين لاهين عابثين في باطلهم ، لكن الصورة اختلفت عند قيامهم من قبورهم ، فإنهم يحشرون أذلاء مرهقين ، قد بدا الانكسار في عيونهم ، وإرهاق المذلة على أبدانهم ، بسبب استهتارهم بذلك اليوم ، واستبعادهم لوقوعه .

وبذلك تتوافق بداية السورة ونهايتها ، فقد كانت البداية سؤال من الكافرين عن يوم القيامة ، سؤال استبعاد واستنكار ، وكانت نهاية السورة رؤية اليوم عيانا ، والإسراع لتلبية الداعي إلى المحشر في حالة من العذاب والهوان والانكسار ، وقد شاهدوا القيامة مشاهدة فعلية واقعية .

قال تعالى : يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تودّ لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذّركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد . ( آل عمران : 30 ) .

ختام السورة:

خلاصة ما اشتملت عليه سورة المعارج

1- وصف يوم القيامة وأهواله .

2- وصف النار وعذابها .

3- صفات الإنسان التي أوجبت له الجحيم ، وصفات المصلّين الفائزين .

4- وعيد الكافرين ، وظهور المذلة والانكسار عليهم يوم القيامة .

i في ظلال القرآن 29/96 ، بتصرف .

ii في رواية عن ابن عباس أن الذي سأل هو النضر بن الحارث ، وفي رواية أخرى عنه قال : ذلك سؤال الكفار عن عذاب الله وهو واقع بهم .

iii بصائر ذوي التمييز للفيروزبادي 1/480 ، بتصريف .

iv يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل والنهار :

رواه البخاري في مواقيت الصلاة ( 555 ) ، وفي التوحيد ( 7429 ، 7486 ) ، ومسلم في المساجد ( 632 ) ، والنسائي في الصلاة ( 485 ) ، وأحمد ( 27336 ) ، 9936 ) ، ومالك في النداء للصلاة ( 413 ) ، من حديث أبي هريرة بلفظ : ( يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكته بالنهار ) ، ورواه البخاري في الأذان ( 649 ) ، وفي تفسير القرآن ( 4717 ) ، ومسلم في المساجد ( 649 ) ، والترمذي في التفسير ( 3135 ) ، والنسائي في الصلاة ( 486 ) ، وابن ماجة في الصلاة ( 670 ) ، وأحمد ( 7145 ، 7557 ، 9783 ) من حديث أبي هريرة أيضا بلفظ : ( فضل صلاة الجميع على صلاة الواحد خمس وعشرون درجة ، وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الصبح ) . يقول أبو هريرة : اقرؤوا إن شئتم { وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا } .

v أخرجه الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري .

vi لا توعى فيوعى الله عليك :

رواه أحمد في مسنده ( 24558 ، 24739 ) من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا توعى فيوعى الله عليم ) . ورواه البخاري في الزكاة ( 1434 ) وفي الهبة ( 2590 ، 2591 ) ومسلم في الزكاة ( 1029 ) وأحمد في مسنده ( 26382 ) ، 26394 ) حدثنا عبيد الله بن سعيد حدثنا عبد الله بن نمير حدثنا هشام بن عروة عن فاطمة عن أسماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أنفقي ولا تحصي فيحصى الله عليك ، ولا توعي فيوعى الله عليك ) .

vii شر ما في رجل شح هالع وجبن غالع :

رواه أحمد في مسنده ( 7950 ) وأبو داود في الجهاد ( 2511 ) من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( شر ما في رجل شح هالع وجبن خالع ) .

viii عجبا لأمر المؤمن :

أخرجه مسلم ( 2999 ) واللفظ له ، وأحمد ( 18455 ، 18460 ، 23406 ، 23412 ) ، والدارمي ( 2777 ) ، من حديث صهيب ابن سنان ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن ، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ) .

ix أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل :

رواه البخاري في الرقاق ( 6464 ) من حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( سدّدوا وقاربوا واعلموا أن لن يدخل أحدكم عمله الجنة وإن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل ) .

x اضمنوا لي ستا من أنفسكم :

رواه أحمد ( 22251 ) ، من حديث عبادة بن الصامت .

xi صفوة التفاسير ، محمد علي الصابوني ، المجلد الثالث ص 446 .

xii ابن آدم أنى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه :

رواه أحمد في مسنده ( 17387 ) وابن ماجة في الوصايا ( 2707 ) من حديث بسر بن جحاش القرشي أن النبي صلى الله عليه وسلم بصق يوما في كفه فوضع عليها أصبعه ثم قال : ( قال الله : ابن آدم ، أنى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه حتى إذا سويتك وعدلتك مشيت بين بردين وللأرض منك وئيد ، فجمعت ومنعت حتى إذا لغت التراقي قلت أتصدق ، وأنى أوان الصدقة ) .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{خَٰشِعَةً أَبۡصَٰرُهُمۡ تَرۡهَقُهُمۡ ذِلَّةٞۚ ذَٰلِكَ ٱلۡيَوۡمُ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ} (44)

{ خاشعة أبصارهم } ذليلة خاضعة ؛ لا يرفعونها لما هم فيه من الخزي والهوان . { ترهقهم ذلة } يغشاهم الهوان الشديد . يقال : رهقه الأمر يرهقه رهقا ، غشيه بقهر ؛ كأرهقه .

والله أعلم .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{خَٰشِعَةً أَبۡصَٰرُهُمۡ تَرۡهَقُهُمۡ ذِلَّةٞۚ ذَٰلِكَ ٱلۡيَوۡمُ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ} (44)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{خاشعة أبصارهم} يعنى خافضة أبصارهم ذليلة عند معاينة النار.

{ترهقهم ذلة} يعني تغشاهم مذلة،

{ذلك} الذي ذكر من أمر القيامة.

{اليوم الذي كانوا يوعدون} فيه في الدنيا العذاب، وذلك أن الله أوعدهم في الدنيا على ألسنة الرسل أن العذاب كائن لما كذب كفار مكة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال الله عز وجل: {فذرهم} يعنى قريشا يعني فخل عنهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون العذاب فيه.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

خاضعة أبصارهم للذي هم فيه من الخزي والهوان.

"تَرْهَقُهُمْ ذِلّةٌ": تغشاهم ذلة.

"ذَلكَ اليَوْمُ الّذِي كانُوا يُوعِدُونَ": هذا اليوم الذي وصفت صفته، وهو يوم القيامة الذي كان مشركو قريش يوعدونَ في الدنيا أنهم لاقوه في الآخرة، كانوا يُكَذّبون به.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{خاشعة أبصارهم} فيحتمل أن يكون هذا على بصر الوجوه، وصفة خشوعها ما قال في آية أخرى {لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء} [إبراهيم: 43] فتخشع خشوعا، لا تملك صرف طرفه عن الداعي. ففيه أن الزلة قد أحاطت بهم حتى أثرت بهم في الأعين والوجوه وفي كل عضو.

وجائز أن يكون هذا على بصر القلوب، وهو أن قلوبهم تشتغل بإجابة الداعي عن أن تبصر لنفسها حيلة، تتخلص بها من أهوال ذلك اليوم وشدتها.

{ترهقهم ذلة} أي تعلوهم. والذلة الحالة في النفس يبدو ظهورها من الأبصار.

{ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون}: هذا اليوم الذي كانوا يوعدون في الدنيا...

.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

{خاشعة} معناه: ذليلة منكسرة.

و {ترهقهم} معناه: تظهر عليهم وتلح وتضيق نفوسهم، ومن هذه اللفظة المرهق من السادة بحوائج الناس، والمرهق بالدين، وخلق فيها رهق أي إسراع إلى الناس وسيف فلان فيه رهق، ومنه مراهقة الاحتلام، وإرهاق الصلاة أي مزاحمة وقتها.

الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :

"ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون " أي يوعدونه في الدنيا أن لهم فيه العذاب. وأخرج الخبر بلفظ الماضي لأن ما وعد الله به يكون ولا محالة.

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

{خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ} أي: خاضعة.

{تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ} أي: في مقابلة ما استكبروا في الدنيا عن الطاعة.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما كان إيفاضهم إلى الأنصاب على حال السرور، أخبر أن هذا على خلاف ذلك، وأن ذكر النصب وتصوير حالة الإتيان إليه ما كان إلا تهكماً بهم فقال: {خاشعة} أي منكسرة متواضعة لما حل بها من الذل والصغار، وألحقها علامة التأنيث زيادة في هذا المعنى ومبالغة فيه بقوله: {أبصارهم}. ولما كان خشوعها دائماً فعبر بالاسم، وكان ذلهم يتزايد في كل لحظة، عبر بالفعل المضارع المفيد للتجدد والاستمرار فقال: {ترهقهم} أي تغشاهم فتعمهم، وتحمل عليم فتكلفهم كل عسر وضيق على وجه الإسراع إليهم {ذلة} ضد ما كانوا عليه في الدنيا لأن من تعزز في الدنيا على الحق ذل في الآخرة، ومن ذل للحق في الدنيا عز في الآخرة. ولما صوره بهذه الصورة أشار إلى أن هذا ما تدركه العقول من وصفه وأنه أعظم من ذلك فقال: {ذلك} أي الأمر الذي هو في غاية ما يكون من علو الرتبة في العظمة {اليوم الذي كانوا} أي في حال الدنيا على غاية ما يكون من المكنة في الوعيد. ولما كان الوعيد لا يتحقق إلا إذا كان من القادر، وإذا كان كذلك كان مخيفاً موجعاً من غير ذكر من صدر عنه، بني للمفعول قوله: {يوعدون *} أي يجدد لهم الإيعاد به في الدنيا في كل وقت لعلهم يتعظون فترق قلوبهم فيرجعون عماهم فيه من الجبروت، وهذا هو زمان العذاب الذي سألوا عنه أول السورة، فقد رجع كما ترى آخرها على أولها أي رجوع، وانضم مفصلها إلى موصلها انضمام المفرد إلى المجموع -...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ثم تتم سماتهم بقوله: (خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة) فنلمح من خلال الكلمات سيماهم كاملة، وترتسم لنا من قسماتهم صورة واضحة. صورة ذليلة عانية.. لقد كانوا يخوضون ويلعبون فهم اليوم أذلاء مرهقون.. (ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون). فكانوا يستريبون فيه ويكذبون ويستعجلون! بهذا يلتئم المطلع والختام، وتتم هذه الحلقة من حلقات العلاج الطويل لقضية البعث والجزاء، وتنتهي هذه الجولة من جولات المعركة الطويلة بين التصور الجاهلي والتصور الإسلامي للحياة.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

وخشوع الأبصار استعارة للنظر إلى أسفل من الذل، كما قال تعالى: {ينظرون من طرف خفي} [الشورى: 45] وقال: {خُشَّعاً أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر} [القمر: 7]. وأصل الخشوع: ظهور الطاعة أو المخافة على الإِنسان.

والرهق: الغشيان، أي التغطية بساتر.

الشعراوي- 1419هـ:

يكرر الحق سبحانه أن ذلك اليوم هو الذي أوعدنا إياه على لسان جميع الرسل من لدن آدم حتى خاتم المرسلين محمد، فليس لكم حجة، حذرناكم يومكم هذا وحذرناكم هذا الموقف، فما استجبتم لوعيدنا، وما اهتممتم بالإيمان بما نقول فظلمتم أنفسكم، وها أنتم واجهتم ما كنتم تكذبون.

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{خَٰشِعَةً أَبۡصَٰرُهُمۡ تَرۡهَقُهُمۡ ذِلَّةٞۚ ذَٰلِكَ ٱلۡيَوۡمُ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ} (44)

{ خاشعة أبصارهم } ذليلة خاضعة لا يرفعونها لذلتهم { ترهقهم ذلة } يغشاهم هوان { ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون } يعني يوم القيامة

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{خَٰشِعَةً أَبۡصَٰرُهُمۡ تَرۡهَقُهُمۡ ذِلَّةٞۚ ذَٰلِكَ ٱلۡيَوۡمُ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ} (44)

قوله تعالى : " خاشعة أبصارهم " أي ذليلة خاضعة ، لا يرفعونها لما يتوقعونه من عذاب الله . " ترهقهم ذلة " أي يغشاهم الهوان . قال قتادة : هو سواد الوجوه . والرَهَق : الغشيان ، ومنه غلام مراهق إذا غشي الاحتلام . رهقه ( بالكسر ) يرهقه رهقا أي غشيه ، ومنه قوله تعالى : " ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة{[15376]} " [ يونس : 26 ] . " ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون " أي يوعدونه في الدنيا أن لهم فيه العذاب . وأخرج الخبر بلفظ الماضي لأن ما وعد الله به يكون ولا محالة .


[15376]:راجع جـ 8 ص 330.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{خَٰشِعَةً أَبۡصَٰرُهُمۡ تَرۡهَقُهُمۡ ذِلَّةٞۚ ذَٰلِكَ ٱلۡيَوۡمُ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ} (44)

ولما كان إيفاضهم إلى الأنصاب على{[68546]} حال السرور ، أخبر أن هذا على خلاف ذلك ، وأن ذكر النصب وتصوير حالة الإتيان إليه ما كان إلا تهكماً بهم فقال : { خاشعة } أي منكسرة متواضعة لما حل بها من الذل {[68547]}والصغار{[68548]} ، وألحقها علامة التأنيث زيادة في هذا المعنى ومبالغة فيه بقوله : { أبصارهم } .

ولما كان خشوعها دائماً فعبر{[68549]} بالاسم ، وكان ذلهم يتزايد في كل لحظة ، عبر بالفعل المضارع المفيد للتجدد والاستمرار فقال : { ترهقهم } أي تغشاهم فتعمهم ، وتحمل عليم فتكلفهم كل{[68550]} عسر وضيق{[68551]} على وجه الإسراع إليهم { ذلة } ضد ما كانوا عليه في الدنيا لأن من تعزز في الدنيا على الحق ذل{[68552]} في الآخرة ، ومن ذل للحق في الدنيا عز في الآخرة .

ولما صوره بهذه الصورة{[68553]} أشار إلى أن هذا ما تدركه العقول من وصفه وأنه{[68554]} أعظم من ذلك فقال : { ذلك } أي الأمر الذي هو في غاية ما يكون من علو الرتبة في العظمة { اليوم الذي كانوا } أي في حال الدنيا على غاية ما يكون من المكنة في الوعيد .

ولما كان الوعيد لا يتحقق إلا إذا كان من القادر ، وإذا كان كذلك{[68555]} كان مخيفاً موجعاً{[68556]} من غير ذكر من صدر عنه ، بني للمفعول قوله : { يوعدون * } أي يجدد لهم الإيعاد به في الدنيا في كل وقت لعلهم يتعظون فترق قلوبهم فيرجعون {[68557]}عماهم{[68558]} فيه من الجبروت ، وهذا هو زمان العذاب {[68559]}الذي سألوا عنه{[68560]} أول السورة ، فقد رجع كما ترى آخرها على أولها{[68561]} أي رجوع ، وانضم مفصلها إلى موصلها انضمام المفرد إلى المجموع - والله الهادي إلى الصواب .


[68546]:- من ظ وم، وفي الأصل: إلى.
[68547]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[68548]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[68549]:- من ظ وم، وفي الأصل: عبر.
[68550]:- من ظ وم، وفي الأصل: العسر والضيق.
[68551]:- زيد في الأصل: للحق، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[68552]:- زيد في الأصل: للحق، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[68553]:- من ظ وم، وفي الأصل: الصور.
[68554]:- من ظ وم، وفي الأصل: إن هذا.
[68555]:- في ظ وم: لذلك.
[68556]:- تكرر في الأصل فقط.
[68557]:- من ظ وم، وفي الأصل: فيماهم.
[68558]:- من ظ وم، وفي الأصل: فيماهم.
[68559]:- من ظ وم، وفي الأصل: هو.
[68560]:- من ظ وم، وفي الأصل: هو.
[68561]:- زيد في الأصل: ورجع، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{خَٰشِعَةً أَبۡصَٰرُهُمۡ تَرۡهَقُهُمۡ ذِلَّةٞۚ ذَٰلِكَ ٱلۡيَوۡمُ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ} (44)

قوله : { خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة } خاشعة ، حال من فاعل { يوفضون } يعني ينطلقون من قبورهم ذليلة أبصارهم وقد غشيهم من الهوان والذل ما غشيهم جزاء كفرهم وتكذيبهم .

قوله : { ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون } يعني هذا اليوم بويلاته ومصائبه هو الذي كانوا يوعدونه في الدنيا . وهو ما تكشف عنه الآيات العظام هنا من فظاعة الأهوال والمشاهد التي تعاينها البشرية يوم القيامة حيث الأفزاع والبلايا . تكشف الآيات عن ذلك كله بكلماته الربانية المصطفاة ، وعجيب أسلوبها الذي لا يضاهى ، وروعة نظمها المثير الباهر ، الذي يجسد للخيال صورة مذهلة عن القيامة بأحداثها الجسام وكوارثها الرعيبة المزلزلة كأنما هي منظورة ومحسّة{[4638]} .


[4638]:تفسير النسفي جـ 4 ص 293 وتفسير البيضاوي ص 760.