ومن الأرض مثلهن : خلق مثلهنّ في العدد من الأرض ، يعني سبع أرضين .
يتنزّل الأمر بينهنّ : يجري أمر الله وقضاؤه بينهن ، وينفذ حكمه فيهنّ .
12- { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا } .
ما أعظم الخالق ، وما أبدع الصانع ، وما أقوى القدير ، وما أعظم علمه وإحاطته بكل شيء في هذا الكون .
الله تعالى هو الذي خلق سبع سماوات طباقا .
قال تعالى : { ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا*وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا } . ( نوح : 15-16 ) .
وخلق سبحانه سبع أرضين ، يتنزل وحي الله وأمره ، وقضاؤه وقدره ، وحكمه ومشيئته ، بين السماوات السبع والأرضين السبع .
فهو سبحانه حافظ الكون ومدبّره ، وممسك بزمامه ، وهو كامل القدرة والعلم ، فاعلموا ذلك وراقبوه في سائر أموركم ، وفي شئون الطلاق ، وما يتصل به من العدة والسكنى والنفقة والإمساك بالمعروف أو المفارقة بالمعروف .
ذُكر لفظ السماوات في القرآن جمعا ، ولفظ الأرض مفردا في سائر القرآن الكريم ، وهذه هي الآية الوحيدة التي تشعر أن ألأرض ربما تكون سبع أرضين .
ومن العلماء من ذهب إلى أن السماء سبع سماوات ، واستدل على ذلك بما ورد في القرآن الكريم وفي السنة المطهرة من أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد إلى السماء ليلة الإسراء والمعراج ، حيث رأى :
وفي السماء الثانية : يحيى وعيسى ، وهما ابنا الخالة .
وفي السماء الثالثة : يوسف ، وقد أُعطي شطر الحسن .
وفي السماء الرابعة : إدريس ، وقد رفعه الله مكانا عليا .
وفي السماء السابعة : إبراهيم ، عليهم جميعا السلام .
وأما الأرض فهي أرض مفردة ، وأما قوله تعالى : ومن الأرض مثلهن . . . أي في الإحكام والإبداع وحسن التقدير .
واللفظ صالح لأن يراد به سبع سماوات وسبع أرضين ، وهو الأرجح والأقوى ، وصالح لأن يراد به سبع سماوات ، ومن الأرض الواحدة مثلهن في الإبداع والتكامل وعناية الله بالخلق ورعايته .
قال تعالى : { إنّ الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده . . . } ( فاطر : 41 )
وأنا أرى أنه لابد أن تكون هناك حكمة إلهية لا نعرفها نحن الآن ، وقد نعرفها في المستقبل ، من ذكر السماوات جمعا وسبع في القرآن ، وذكر لفظة الأرض مفردة في جميع القرآن ، ما عدا هذه الآية الأخيرة في سورة الطلاق .
{ الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما } .
وقد ذهب الإمام ابن كثير إلى أن الأرض سبع ، حيث قال : ومن الأرض مثلهن . أي : سبعا أيضا ، كما ثبت في الصحيحين : " من ظلم قيد شبر من الأرض طوّقه من سبع أرضين يوم القيامة " xi
وفي صحيح البخاري : " خُسف به إلى سبع أرضين " .
خلاصة ما اشتملت عليه سورة الطلاق
للطلاق آداب ينبغي أن تراعى ، ومن ذلك ما يأتي :
1- ينبغي أن يكون في طهر لم تجامع فيه الزوجة .
2- ينبغي إحصاء ومعرفة مدة العدة ، وبدايتها ونهايتها .
3- ينبغي أن تسكن الزوجة في بيت الزوج فترة العدة .
4- الإمساك بالمعروف ، أو الطلاق مع الإحسان ، وهو إعطاء المطلقة مؤخر الصداق والسكنى والنفقة .
5- وجوب الإشهاد على الزواج والطلاق والرجعة .
6- تقوى الله والتوكل عليه والالتزام بأحكامه ، طريق للسعادة في الدارين .
7- للمطلقة السكنى والنفقة حسب يسار الزوج وإعساره .
8- أهلك الله كثيرا من القرى الظالمين جزاء عنادهم وعتوّهم وكبرهم عن الخضوع لأحكام الله ، فاستحقوا عذاب الدنيا ، ولهم في الآخرة عذب عظيم .
9- ليتق الله كل مؤمن ومؤمنة في مراعاة أحكام الله .
أ- عدة ذوات الأقراء : 3 قروء .
ج- عدة المتوفى عنها زوجها : 3 أشهر وعشرة أيام .
د- عدة الآيسة من الحيض ، وعمرها عادة خمس وخمسون سنة : 3 أشهر .
ه- وكذلك الصغيرة التي لم ينزل عليها دم الحيض ، عدتها : 3 أشهر .
و- هناك طلاق رجعي يستطيع الزوج مراجعة زوجته فيه ما دامت في العدة ، فإذا أتمت العدة فهو طلاق بائن بينونة صغرى ، فإذا كان الطلاق مكملا للثلاث بانت المطلقة بينونة كبرى .
رواه البخاري في أحاديث الأنبياء ( 3331 ) وفي النكاح ( 5186 ) ومسلم في الرضاع ( 1468 ) وأحمد ( 10071 ) والدارمي في النكاح ( 2221 ) من حديث أبي هريرة .
iv كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته :
رواه البخاري في الجمعة ( 893 ) وفي الاستقراض ( 2409 ) وفي العتق ( 2554-2558 ) وفي الوصايا ( 2751 ) وفي النكاح ( 5188-5200 ) وفي الأحكام ( 7138 ) ومسلم في الإمارة ( 1829 ) وأبو داود في الخراج ( 2928 ) والترمذي في الجهاد ( 1705 ) وأحمد في مسنده ( 4481-5145-5867-5990 ) من حديث عبد الله بن عمر .
v روى البخاري في صحيحه أن عبد الله بن عمر طلّق امرأة له وهي حائض ، فذكر ذلك عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتغيظ رسول الله ثم قال : " ليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ، ثم تحيض فتطهر ، فإن بدا له أن يطلقها فيطلقها طاهرا قبل ن يمسها ، فتلك العدة لتي أمر بها الله عز وجل " .
ورواه مسلم بلفظ : " . . فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء " أي : ذلك معنى قوله تعالى : { فطلقوهن لعدتهن } ( الطلاق : 1 ) ، أي : طلقوهن مستقبلات لعدتهن ولا يكون ذلك إلا بعد أن تحيض المرأة ثم تطهر ، وهي حالة أرغب ما يكون فيها الرجل ، فإذا طلقها في هذه الحالة دل على عدم رغبته فيها .
vi نصف النساء يكون يأسهن من الحمل بين 45-50 سنة .
ربع النساء يكون يأسهن بين 40-45 سنة .
ثمن النساء يكون يأسهن بين 35-40 سنة .
ثمن النساء يكون يأسهن بين 50-55 سنة .
vii انظر السيوطي في الدر المنثور ، والتفسير المنير للدكتور وهبة الزحيلي ، دار الفكر المعاصر بيروت لبنان ، جزء 28 ص 266 ، والتفسير الوسيط بإشراف الأزهر بمصر ، ومختصر تفسير ابن كثير بتحقيق الصابوني 3/514 ، والحديث أخرجه الحاكم عن جابر ، وأخرجه ابن مردويه والخطيب عن ابن عباس .
viii إن العبد ليحرم الرزق بالذنب :
رواه ابن ماجة في الفتن ( 4022 ) وأحمد في مسنده ( 5/280-282 ) .
تقدم تخرجه انظر هامش ( 105 ) .
رواه مسلم في أثناء حديث طويل من كتاب صلاة المسافرين ، باب جمع صلاة الليل ، ومن نام عنه أو مرض ( 746 ) عن زرارة أن سعد ين هشام بن عامر أراد أن يغزو في سبيل الله ، فقدم المدينة ، فأراد أن يبيع له عقارا به . فيجعله في السلاح والكراع ، ويجاهد الروم حتى يموت ، فلما قدم المدينة ، لقي أناسا من أهل المدينة ، فنهوه عن ذلك ، وأخبروهم أن رهطا أرادوا ذلك في حياة نبي الله صلى الله عليه وسلم فنهاهم نبي الله صلى الله عليه وسلم . وقال : " أليس لكم فيّ أسوة " ؟ فلما حدثوه بذلك راجع امرأته . وقد كان طلقها . وأشهد على رجعتها . فأتى ابن عباس فسأله عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال ابن عباس : ألا أدلك على أعلم أهل الأرض بوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : من ؟ قال : عائشة . فأْتها فاسألها ، ثم ائتني فأخبرني بردها عليك ، فانطلقت إليها ، فأتيت على حكيم بن أفلح فاستلحقته إليها . فقال : ما أنا بقاربها لأني نهيتها أن تقول في هاتين الشيعتين شيئا فأبت فيهما إلا مضيا ، قال : فأقسمت عليه ، فجاء ، فانطلقنا إلى عائشة ، فاستأذنا عليها فأذنت لنا ، فدخلنا عليها . فقالت : أحكيم ؟ ( فعرفته ) فقال : نعم . فقالت : من معك ؟ قال : سعد بن هشام . قالت : من هشام ؟ قال : ابن عامر . فترحمت عليه . وقالت خيرا . ( قال قتادة : وكان أصيب يوم أحد ) فقلت : يا أم المؤمنين ، أنبئيني عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال ألست تقرأ القرآن ؟ قلت : بلى . قالت : فإن خلق نبي الله صلى الله عليه وسلم كن القرآن . قال : فهممت أن أقوم . . الحديث .
ورواه أحمد مختصرا ( 23460-24139-24629 ) .
xi من اقتطع شبرا من الأرض ظلما طوقه الله إياه :
رواه مسلم في المساقاة ( 1610 ) من حديث سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من اقتطع شبرا من الأرض ظلما طوقه الله إياه يوم القيامة من سبع أرضين " .
{ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنْ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ( 12 ) }
الله وحده هو الذي خلق سبع سموات ، وخلق سبعًا من الأرَضين ، وأنزل الأمر مما أوحاه الله إلى رسله وما يدبِّر به خلقه بين السموات والأرض ؛ لتعلموا- أيها الناس- أن الله على كل شيء قدير لا يعجزه شيء ، وأن الله قد أحاط بكل شيء علمًا ، فلا يخرج شيء عن علمه وقدرته .