تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{قُلۡ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡكَٰفِرُونَ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة الكافرون

أهداف سورة الكافرون

( سورة الكافرون مكية ، وآياتها 6 آيات ، نزلت بعد سورة الماعون )

وهي سورة تصدح بالحقيقة ، وترفض أنصاف الحلول ، وتعلن أن الإسلام إسلام ، وأن الكفر كفر ، ولن يلتقيا .

أسباب النزول .

روي أن الوليد بن المغيرة ، والعاص بن وائل السهمي ، والأسود بن عبد المطلب ، وأمية بن خلف في جماعة آخرين من صناديد قريش وساداتهم ، أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا له : هلمّ يا محمد فاتبع ديننا ونتبع دينك ، ونشركك في أمرنا كله ، تعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة ، فإن كان الذي جئت به خيرا كنا قد شاركناك فيه وأخذنا حظا منه ، وإن كان الذي يأيدينا خيرا كنت قد شاركتنا في أمرنا ، وأخذت حظك منه . فقال : ( معاذ الله أن نشرك به غيره ) ، وأنزل الله ردا على هؤلاء هذه السورة ، فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الحرام ، وفيه الملأ من قريش ، فقام على رؤوسهم ، ثم قرأ عليهم حتى فرغ من السورة فيئسوا منه ، وآذوه وصحبه ، حتى اضطر إلى الهجرة إلى المدينةi .

فكرة السورة

لم يكن العرب يجحدون الله ، ولكن كانوا لا يعرفونه بحقيقته التي وصف بها نفسه ، وهي أحد فرد صمد ، فكانوا يشركون به ، ولا يعبدونه حق عبادته ، كانوا يشركون به هذه الأصنام التي يرمزون بها إلى أسلافهم من الصالحين أو العظماء ، أو يرمزون بها إلى الملائكة ، ويقولون : ما نعبدهم إلا ليقرّبونا إلى الله زلفى . . . ( الزمر : 3 ) .

وكانوا يعتقدون أنهم على دين إبراهيم ، وأنهم أهدى من أهل الكتاب الذين كانوا يعيشون معهم في الجزيرة .

ولحسم هذه الشبهات نزلت هذه السورة بهذا الجزم ، وبهذا التوكيد ، توضح أنهم كافرون مشركون ، قد نبذوا التوحيد ، وخرجوا عن جادة الصواب ، فلن يعبد النبي صلى الله عليه وسلم ما يعبدون من أصنام وأوثان .

قال تعالى : قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون . ( الزمر : 64 ) .

مع آيات السورة

1- قل يا أيها الكافرون . قال لهم : يا أيها الكافرون ، ناداهم باسمهم وحقيقتهم ، ووصفهم بوصفهم ، إنهم ليسوا على دين وليسوا بمؤمنين ، وإنما هم كافرون .

2- لا أعبد ما تعبدون . فعبادتي غير عبادتكم ، ومعبودي معبودكم ، وأنا لا أعبد أصنامكم ، ولا أسجد لآلهتكم ، وإنما أعبد إلها واحدا منزها عن النظير والمثيل : ليس كمثله شيء وهو السميع البصير . ( الشورى : 11 )

3- ولا أنتم عابدون ما أعبد . وإنكم لكاذبون في دعواكم أنكم تعبدون الله ، لأن الذي تزعمونه ربا تتخذون له الشفعاء ، وتجعلون له زوجة من الجن تلد له الملائكةii ، وتنسبون إليه ما يتنزه عنه الله . فهذا الذي تعبدونه لن يكون إلها مستحقا للعبادة .

4- ولا أنا عابد ما عبدتم . تكرير وتوكيد للفقرة الأولى في صيغة الجملة الاسمية ، وهي أدل على ثبات الصفة واستمرارها ، وقد كرّر نفي عبادته آلهتهم قطعا لأطماعهم وتيئيسا لهم .

5- ولا أنتم عابدون ما أعبد . تكرار الفقرة الثانية ، كي لا تبقى مظنة ولا شبهة ، ولا مجال لمظنة أو شبهة بعد هذا التوكيد المكرر ، بكل وسائل التكرار والتوكيد .

قال أبو مسلم الأصفهاني : معناه : لا أنا عابد عبادتكم ، ولا أنتم عابدون عبادتي .

وخلاصة ما سلف : الاختلاف التام في المعبود ، والاختلاف البيّن في العبادة ، فلا معبودنا واحد ، ولا عبادتنا واحدة ، إن عبادتي خالصة لله وحده ، وعبادتكم مشوبة بالشرك ، مصحوبة بالغفلة عن الله تعالى ، فلا تسمى على الحقيقة عبادة .

6- لكم دينكم ولي دين .

لكم دينكم . مختص بكم لا يتعداكم إليّ ، فلا تظنوا أنى عليه أو على شيء منه .

ولي دين . أي : ديني هو دين خاص بي ، وهو الذي أدعو إليه ، ولا مشاركة بينه وبين ما أنتم عليه .

مقاصد السورة

1- إن التوحيد منهج والشرك منهج آخر ولا يلتقيان .

2- المؤمن لا يسجد للصنم ، ولا يعبد ما يعبده الكافر .

3- الكافر لا يعبد الله ، بل ضلّ طريقه إلى عبادته .

4- المؤمن واضح صادق فلن يعبد عبادة الكافر ، كما أن الكافر لا يعبد عبادة المؤمن .

5- سيلقى المؤمن ثوابه ، وسيلقى الكافر جزاءه .

بسم الله الرحمان الرحيم

{ قل يا أيها الكافرون 1 لا أعبد ما تعبدون 2 ولا أنتم عابدون ما أعبد 3 ولا أنا عابد ما عبدتم 4 ولا أنتم عابدون ما أعبد 5 لكم دينكم ولي دين 6 }

التفسير :

1- قل يا أيها الكافرون .

هي في الأصل نداء لكفار مكة ، لكنها عامة ، أي : يا محمد ، يا صاحب رسالة الإسلام ، إنك مكلّف أن تقول في كلمة التوحيد : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وهؤلاء يعبدون الأصنام والأوثان ، ويجعلونها شفعاء لله ، والله تعالى واحد أحد ، منزه عن الصاحبة والولد ، وعن الشريك والمثيل ، من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه . . . ( البقرة : 255 ) .

لذلك أعلنها النبي صلى الله عليه وسلم ، وبيّن أنهم كافرون بالله ، وعبادتهم للأصنام تخرجهم من الإيمان ، أي : قل يا محمد لهم : يا أيها الكافرون بالله الواحد الأحد .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{قُلۡ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡكَٰفِرُونَ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الكافرون مكية ، وآياتها ست ، نزلت بعد سورة الماعون . رُوي أن جماعة من زعماء قريش أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا محمد ، هلمّ فلنعبد ما تعبد ، وتعبد أنت ما نعبد ، ونشركك في أمرنا كله . فإن كان الذي جئت به خيرا مما بأيدينا كنا قد شركناك فيه ، وأخذنا بحظنا منه . وإن كان الذي بأيدينا خيرا مما في يديك كنت قد شركتنا في أمرنا وأخذت منه بحظك . فأنزل الله تعالى { قل يا أيها الكافرون } . وكان نزولها أمرا قاطعا لأطماع الكافرين في مساواتهم إياه في دعوة الحق ، وقررت هذه السورة الكريمة البراءة من الشرك والضلال .

الخطابُ للنبيّ الكريم عليه الصلاةُ والسلام . وكان المشركون من زعماءِ قومِه عَرَضوا عليه أن يعبُدوا اللهَ سَنَةً على أن يَعبُدَ النبيُّ الكريم آلهتهم سنةً مثلَها . فنزلت هذه السورةُ جواباً لهم : { قُلْ } يا محمد لهؤلاءِ المشركين الّذين سألوك أن تعبدَ آلهتهم على أن يعبدوا إلهك { يا أيها الكافرون } بالله .

   
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{قُلۡ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡكَٰفِرُونَ} (1)

لما أخبره في الكوثر أن العريق في شنآنه عدم ، وجب أن يعرض عنه ويقبل بكليته على من أنعم عليه بذلك ، فقال معلماً له ما يقول ويفعل : { قل } ولما كان شائنه أعرق الخلق في الضلال والبعد من الخير ، قال منادياً له بأداة البعد ، وإن كان حاضراً ، معبراً بالوصف المؤذن بالرسوخ : { يا أيها الكافرون } أي الذين قد حكم بثباتهم على الكفر ، فلا انفكاك لهم عنه ، فستروا ما تدل عليه عقولهم من الاعتقاد الحق لو جردوها من أدناس الحظ ، وهم كفرة مخصوصون ، وهم من حكم بموته على الكفر بما طابقه من الواقع ، وبما دل عليه التعبير بالوصف دون الفعل ، واستغرقت اللام كل من كان على هذا الوصف في كل مكان وكل زمان ، وإنما عبر بالجمع الذي هو أصل في القلة ، وقد يستعار للكثرة إشارة إلى البشارة بقلة المطبوع على قلبه من العرب المخاطبين بهذا في حياته صلى الله عليه وسلم ، وإشارة إلى حقارة الكافر وذلته وإن كان كثيراً ، كما يشير إليه جعل كل كلمة منها بحرف من الكوثر كما سيأتي ، وفي مناداتهم بهذا الوصف الذي يسترذلونه في بلدتهم ، ومحل عزهم وحميتهم ، إيذان بأنه محروس منهم علماً من أعلام النبوة .

وقال الإمام أبو جعفر ابن الزبير : لما انقضى ذكر الفريقين المتردد ذكرهما في الكتاب العزيز من أوله إلى آخره على اختلاف أحوال كل فريق وشتى درجاتهم ، وأعني بالفريقين من أشير إليه في قوله سبحانه وتعالى : { اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم } فهذا طريق أحد الفريقين ، وفي قوله : { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } إشارة إلى طريق من كان في الطرف الآخر من حال أولئك الفريق ؛ إذ ليس إلا طريق السلامة ، أو طريق الهلاك :{ فريق في الجنة وفريق في السعير }[ الشورى : 7 ]

{ فمنكم كافر ومنكم مؤمن }[ التغابن : 2 ] والسالكون طريق السلامة فأعلى درجاتهم مقامات الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، ثم يليهم أتباعهم من صالحي العباد وعلمائهم العاملين وعبادهم ، وأهل الخصوص منهم والقرب من أحوال من تنسك منهم ، ورتبتهم مختلفة ، وإن جمعهم جامع ، وهو قوله : { فريق في الجنة } وأما أهل التنكب عن هذا الطريق -وهم الهالكون- فعلى طبقات أيضاً ، ويضم جميعهم طريق واحد ، فكيفما تشعبت الطرق فإلى ما ذكر من الطريقين مرجعهما ، وباختلاف سبل الجميع عرفت آي الكتاب وفصلت ، ذكر كله تفصيلاً لا يبقى معه ارتياب لمن وفق ، فلما انتهى ذلك كله بما يتعلق به ، وتداولت بيانه الآي من لدن قوله بعد أم القرآن{ هدى للمتقين }[ البقرة : 2 ] إلى قوله : { إن شانئك هو الأبتر } أتبع ذلك بالتفاصيل والتسجيل فقال تعالى : { قل يا أيها الكافرون } فبين سبحانه أن من قضي عليه بالكفر والوفاة عليه لا سبيل له إلى خروجه عن ذلك ، ولا يقع منه الإيمان أبداً{ ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلاً ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله }[ الأنعام : 111 ] ولو أنهم بعد عذاب الآخرة ومعاينة العذاب والبعث وعظيم تلك الأهوال وسؤالهم الرجوع إلى الدنيا وقولهم :{ ربنا فارجعنا نعمل صالحاً غير الذي كنا نعمل }[ السجدة : 12 ] فلو أجيبوا إلى هذا ورجعوا لعادوا إلى حالهم الأول{ ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه }[ الأنعام : 128 ] تصديقاً لكلمة الله ، وإحكاماً لسابق قدره :{ أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار }[ الزمر :19 ] فقال لهم : { لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد } إلى آخرها ، فبان أمر الفريقين وارتفع الإشكال ، واستمر كل على طريقه{ فلا تذهب نفسك عليهم حسرات }[ فاطر : 8 ]

{ إن عليك إلا البلاغ }[ الشورى : 48 ] فتأمل موقع هذه السورة ، وأنها الخاتمة لما قصد في الكتاب ، يلح لك وجه تأخيرها - والله أعلم - انتهى .