{ يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ( 12 ) يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آَمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ ( 13 ) يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ( 14 ) فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ } .
نورهم : نور العمل الصالح الذي يوجب نجاتهم وهدايتهم إلى الجنة .
12- { يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } .
هذا مشهد عظيم ، حين ترى المؤمنين والمؤمنات يتلألأ النور من أمامهم وعن أيمانهم ، إنه نور العمل الصالح ، يسير أمامهم ليستضيئوا به على الصراط ، وتكون وجوههم مضيئة كإضاءة القمر في سواد الليل ، وتبشّرهم الملائكة بالبساتين والنعيم المقيم ، والأنهار التي تجري من تحتهم : أنهار من لبن ، وأنهار من خمر ، وأنهار من عسل ، وأنهار من ماء نقي نظيف ، وتبشرهم الملائكة بالخلود الأبديّ السرمديّ ، وبالفوز بالجنة ونعيمها ، وبالرضوان الإلهي ، والكرامة والنعمة ، فهم أهل للنعيم الحسي في الجنة ، مع النعيم المعنوي في الكرامة والرضا الإلهي ، ورضوان من الله أكبر . . . ( التوبة : 72 ) .
{ لقد فاز المتقون فوزا عظيما } .
أخرج ابن أبي شيبة وغيره ، والحاكم وصححه ، عن ابن مسعود أنه قال : يؤتون نورهم على قدر أعمالهم ، يمرون على الصراط منهم من نوره مثل الجبل ، ومنهم من نوره مثل النخلة ، وأدناهم نورا من نوره على إبهامه يطفأ مرة ويقد أخرى .
يسعى نورهم بين أيديهم : وهو ما قدموه من عمل صالح في الدنيا .
الكلام في هذه الآية الكريمة عن مشهدٍ من مشاهد يوم القيامة ، فاللهُ سبحانه وتعالى يبين هنا حالَ المؤمنين المنفقين في سبيل الله يومَ القيامة ، فذَكَر أن نورَهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم ليرشدَهم إلى الجنة ، و تقول لهم الملائكة : أبشِروا اليومَ بالجنّات التي تجري من تحتها الأنهارُ وأنتم فيها خالدون أبدا .
{ ذَلِكَ هُوَ الفوز العظيم } وأيّ فوزٍ أعظم من دخول الجنة ! !
قوله تعالى : { من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعف له وله أجر كريم* يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم } يعني على الصراط ، { بين أيديهم وبأيمانهم } يعني عن أيمانهم . قال بعضهم : أراد جميع جوانبهم ، فعبر بالبعض عن الكل وذلك دليلهم إلى الجنة . وقال قتادة : ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن من المؤمنين من يضيء نوره يعني على صراط من المدينة إلى عدن أبين وصنعاء ودون ذلك ، حتى أن من المؤمنين من لا يضيء نوره إلا موضع قدميه " . وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما : يؤتون نورهم على قدر أعمالهم ، فمنهم من يؤتى نوره كالنخلة ، ومنهم من يؤتى نوره كالرجل القائم ، وأدناهم نوراً من نوره أعلى إبهامه فيطفأ مرة ويتقد مرة . وقال الضحاك ومقاتل : يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم كتبهم ، يريد : أن كتبهم التي أعطوها بأيمانهم ونورهم بين أيديهم .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{يوم ترى} يا محمد {المؤمنين والمؤمنات} على الصراط {يسعى نورهم بين أيديهم} دليل إلى الجنة {وبأيمانهم} يعني بتصديقهم في الدنيا، أعطوا النور في الآخرة على الصراط، يعني بتوحيد الله تعالى، تقول الحفظة لهم: {بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها} لا يموتون {ذلك هو الفوز العظيم}...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله:"يَوْمَ تَرَى المُؤْمِنِينٌ وَالمُؤْمِناتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَينَ أيْدِيهِمْ وبأيمانِهِم"؛
فقال بعضهم: معنى ذلك: يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يضيء نورهم بين أيديهم وبأيمانهم... عن عبد الله، قال: يؤتون نورهم على قدر أعمالهم، فمنهم من يؤتى نوره كالنخلة، ومنهم من يؤتى نوره كالرجل القائم، وأدناهم نورا على إبهامه يطفأ مرة ويقدُ مرّة.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى إيمانهم وهداهم بين أيديهم، وبأيمانهم كتبهم... [عن] الضحاك يقول في قوله: "يَسْعَى نُورُهُمْ بَينَ أيْدِيهِمْ وَبأيمانِهِمْ": كتبهم، يقول الله: فأما من أوتي كتابه بيمينه، وأما نورهم فهداهم.
وأولى القولين في ذلك بالصواب القول الذي ذكرناه عن الضحاك، وذلك أنه لو عنى بذلك النور الضوء المعروف، لم يخصّ عنه الخبر بالسعي بين الأيدي والأيمان دون الشمائل، لأن ضياء المؤمنين الذي يؤتونه في الآخرة يضيء لهم جميع ما حولهم، وفي خصوص الله جلّ ثناؤه الخبر عن سعيه بين أيديهم وبأيمانهم دون الشمائل، ما يدلّ على أنه معنيّ به غير الضياء، وإن كانوا لا يخلون من الضياء.
فتأويل الكلام إذ كان الأمر على ما وصفنا: وكلاّ وعد الله الحسنى يوم ترون المؤمنين والمؤمنات يسعى ثواب إيمانهم وعملهم الصالح بين أيديهم، وفي أيمانهم كتب أعمالهم تتطاير.
ويعني بقوله: "يَسْعَى": يمضي...
وقوله: "بُشْرَاكُمُ اليَوْمَ جَنّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِها الأنهارُ" يقول تعالى ذكره يقال لهم: بشارتكم اليوم أيها المؤمنون التي تبشرون بها جنات تجري من تحتها الأنهار، فأبشروا بها.
وقوله: "خالِدِينَ فِيها" يقول: ماكثين في الجنات، لا ينتقلون عنها ولا يتحولون.
وقوله: "ذلكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمِ" يقول: خلودهم في الجنات التي وصفها هو النجح العظيم الذي كانوا يطلبونه بعد النجاة من عقاب الله، ودخول الجنة خالدين فيها.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم}... وجائز أن يكون نورهم الذي ذكر كناية عن الطريق الذي يسلك فيه السابقون يرون ما أمامهم، وسائر المؤمنين عن أيمانهم على ما سلكوا في الدنيا، وأهل الشرك بشمالهم، وأهل النفاق من ورائهم. وجائز أن يكون قوله: {و بأيمانهم} كناية عن اليمن و البركة لأن الأيمان تنال اليمن والبركات، فسماها بذلك. ويحتمل ما ذكر أهل التأويل أنه يرفع لهم نور، فيمشون بذلك. وقوله تعالى: {بشراكم اليوم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها} إنما يقال ذلك قبل دخول أهل الجنة الجنة وأهل النار النار.
وقوله تعالى: {ذلك هو الفوز العظيم} لأنه لا هلاك بعده، ولا تبعة، ولا انقطاع؛ ذلك لذلك.
ثم قوله تعالى: {يوم ترى المؤمنين والمؤمنات} ليس أن يراه هو خاصة، لا يرى غيره ذلك، ولكن يرى ذلك جميع المؤمنين...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
... والرؤية في هذه الآية رؤية عين. والنور: قال الضحاك بن مزاحم: هي استعارة، عبارة عن الهدى والرضوان الذي هم فيه. وقال الجمهور: بل هو نور حقيقة، وروي في هذا عن ابن عباس وغيره آثار مضمنها: أن كل مؤمن ومظهر للإيمان يعطى يوم القيامة نوراً فيطفأ نور كل منافق ويبقى نور المؤمنين. حتى أن منهم من نوره يضيء كما بين مكة وصنعاء، رفعه قتادة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم من نوره كالنخلة السحوق. ومنهم من نوره يضيء ما بين قرب من قدميه، قال ابن مسعود: ومنهم من يهم بالانطفاء مرة ويتبين مرة على قدر المنازل في الطاعة والمعصية. وخص تعالى بين الأيدي بالذكر لأنه موضع حاجة الإنسان إلى النور.
واختلف الناس في قوله: {وبأيمانهم} فقال بعض المتأولين المعنى: وعن أيمانهم، فكأنه خص ذكر جهة اليمين تشريفاً، وناب ذلك مناب أن يقول: وفي جميع جهاتهم، وقال آخرون منهم، المعنى: {وبأيمانهم} كتبهم بالرحمة. وقال جمهور المفسرين، المعنى: يسعى نورهم بين أيديهم، يريد الضوء المنبسط من أصل النور. {وبأيمانهم} أصله، والشيء الذي هو متقد فيه. فضمن هذا القول أنهم يحملون الأنوار، وكونهم غير حاملين لها أكرم، ألا ترى أن فضيلة عباد بن بشر وأسيد بن حضير إنما كانت بنور لا يحملانه. هذا في الدنيا فكيف في الآخرة...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{يوم} أي لهم ذلك في الوقت الذي {ترى} فيه بالعين، وأشار إلى أن المحبوب من المال لا يخرج عنه ولا سيما مع الإقتار إلا من وقر الدين في قلبه بتعبيره بالوصف فقال: {المؤمنين والمؤمنات} أي الذين صار الإيمان لهم صفة راسخة {يسعى} شعاراً لهم وأمارة على سعادتهم {نورهم} الذي يوجب إبصارهم لجميع ما ينفعهم فيأخذوه وما يضرهم فيتركوه...
{جنات} أي كائنة لكم تتصرفون فيها أعظم تصرف... {تجري} وأفهم القرب بإثبات الجارّ فقال: {من تحتها الأنهار} ولما كان ذلك لا يتم مع خوف الانقطاع قال: {خالدين فيها} خلوداً لا آخر له لأن الله أورثكم ذلك ما لا يورث عنكم كما كان حكام الدنيا لأن الجنة لا موت فيها...
{ذلك} أي هذا الأمر العظيم جداً {هو} أي وحده {الفوز العظيم} أي الذي ملأ بعظمته جميع الجهات من ذواتكم وأبدانكم ونفوسكم وأرواحكم.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
{يوم ترى المؤمنين} منصوباً بفعل محذوف تقديره: اذكُر تنويهاً بما يحصل في ذلك اليوم من ثواب للمؤمنين والمؤمنات ومن حرمان للمنافقين والمنافقات، ولذلك كرر {يوم} ليَختصَّ كل فريق بذكر ما هو من شؤونه في ذلك اليوم...
ووجه عطف {المؤمنات} على {المؤمنين} هنا، وفي نظائره من القرآن المدني التنبيه على أن حظوظ النساء في هذا الدين مساوية حظوظ الرجال إلا فيما خُصصن به من أحكام قليلة لها أدلتها الخاصة وذلك لإِبطال ما عند اليهود من وضع النساء في حالة ملعونات ومحرومات من معظم الطاعات... يسعى نورهم حين يسعون، فحذف ذلك لأن النور إنما يسعى إذا سعى صاحبه وإلا لا نفصل عنه وتركه. وإضافة (نور) إلى ضميرهم وجعلُ مكانه من بين أيديهم وبأيمانهم يبين أنه نور لذواتهم أكرموا به.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
التعبير ب «يسعى» من مادّة (سعى) بمعنى الحركة السريعة دليل على أنّ المؤمنين أنفسهم يسيرون بسرعة في طريق المحشر باتّجاه الجنّة حيث مركز السعادة السرمدية، ذلك لأنّ الحركة السريعة لنورهم ليست منفصلة عن حركتهم السريعة.
قوله تعالى : " يوم ترى المؤمنين والمؤمنات " العامل في " يوم " " وله أجر كريم " ، وفي الكلام حذف أي " وله أجر كريم " في " يوم ترى " فيه " المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم " أي يمضى على الصراط في قول الحسن ، وهو الضياء الذي يمرون فيه " بين أيديهم " أي قدامهم . " وبأيمانهم " قال الفراء : الباء بمعنى في ، أي في أيمانهم . أو بمعنى عن أي عن أيمانهم . وقال الضحاك : " نورهم " هداهم " وبأيمانهم " كتبهم ، واختاره الطبري . أي يسعى إيمانهم وعملهم الصالح بين أيديهم ، وفي أيمانهم كتب أعمالهم . فالباء على هذا بمعنى في . ويجوز على هذا أن يوقف على " بين أيديهم " ولا يوقف إذا كانت بمعنى عن . وقرأ سهل بن سعد الساعدي وأبو حيوة " وبأيمانهم " بكسر الألف ، أراد الإيمان الذي هو ضد الكفر وعطف ما ليس بظرف على الظرف ؛ لأن معنى الظرف الحال وهو متعلق بمحذوف . والمعنى يسعى كامنا " بين أيديهم " وكائنا " بأيمانهم " ، وليس قوله : " بين أيديهم " متعلقا بنفس " يسعى " . وقيل : أراد بالنور القرآن . وعن ابن مسعود : يؤتون نورهم على قدر أعمالهم ، فمنهم من يؤتى نوره كالنخلة ، ومنهم من يؤتى نوره كالرجل القائم ، وأدناهم نورا من نوره على إبهام رجله فيطفأ مرة ويوقد أخرى . وقال قتادة : ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن من المؤمنين من يضيء نوره كما بين المدينة وعدن أو ما بين المدينة وصنعاء ودون ذلك حتى يكون منهم من لا يضيء نوره إلا موضع قدميه ) قال الحسن : ليستضيؤوا به على الصراط كما تقدم . وقال مقاتل : ليكون دليلا لهم إلى الجنة . والله أعلم .
قوله تعالى : " بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار " التقدير يقال لهم : " بشراكم اليوم " دخول جنات . ولا بد من تقدير حذف المضاف ، لأن البشرى حدث ، والجنة عين فلا تكون هي هي . " تجري من تحتها الأنهار " أي من تحتهم أنهار اللبن والماء والخمر والعسل من تحت مساكنها . " خالدين فيها " حال من الدخول المحذوف ، التقدير " بشراكم اليوم " دخول جنات " تجري من تحتها الأنهار " مقدرين الخلود فيها ولا تكون الحال من بشراكم ؛ لأن فيه فصلا بين الصلة والموصول . ويجوز أن يكون مما دل عليه البشرى ، كأنه قال : تبشرون خالدين . ويجوز أن يكون الظرف الذي هو " اليوم " خبرا عن " بشراكم " و " جنات " به لا من البشرى على تقدير حذف المضاف كما تقدم . و " خالدين " حال حسب ما تقدم . وأجاز الفراء نصب " جنات " على الحال على أن يكون " اليوم " خبرا عن " بشراكم " وهو بعيد ؛ إذ ليس في " جنات " معنى الفعل . وأجاز أن يكون " بشراكم " نصبا على معنى يبشرونهم بشرى وينصب " جنات " بالبشرى وفيه تفرقة بين الصلة والموصول .
ولما بين ما لهذا المقرض ، بين بعض وصفه بالكرم ببيان وقته فقال : { يوم } أي لهم ذلك في الوقت الذي { ترى } فيه بالعين{[62449]} ، وأشار إلى أن المحبوب من المال لا يخرج عنه ولا سيما مع{[62450]} الإقتار إلا من وقر الدين في قلبه بتعبيره بالوصف فقال : { المؤمنين والمؤمنات } أي الذين صار الإيمان لهم صفة راسخة { يسعى } شعاراً لهم وأمارة على سعادتهم { نورهم } الذي يوجب إبصارهم لجميع ما ينفعهم فيأخذوه{[62451]} وما يضرهم فيتركوه{[62452]} ، وذلك بقدر أعمالهم الصالحة التي كانوا يعملونها بنور العلم الذي هو ثمرة الإيمان كما أنهم قدموا المال الذي إنما يقتنيه الإنسان لمثل{[62453]} ذلك جزاء وفاقاً .
ولما كان من يراد تعظيمه يعطى ما يجب وما بعده شريفاً ( ؟ ) في الأماكن التي يحبها قال : { بين أيديهم } أي حيث ما توجهوا ، ولذلك حذف الجار { وبأيمانهم } أي{[62454]} وتلتصق بتلك الجهة لأن هاتين الجهتين أشرف جهاتهم ، وهم إما من السابقين ، وإما من أهل اليمين ، ويعطون صحائفهم من هاتين الجهتين ، والشقي بخلاف ذلك لا نور له ويعطى صحيفته بشماله ومن وراء ظهره ، فالأول نور الإيمان والمعرفة والأعمال المقولة ، والثاني نور الإنفاق لأنه بالإيمان{[62455]} - نبه{[62456]} - عليه الرازي .
ولما ذكر نفوذهم فيما يحبون من الجهات وتيسيره لهم ، أتبعه ما يقال لهم من المحبوب في سلوكهم لذلك المحبوب فقال : { بشراكم اليوم } أي بشارتكم العظيمة في جميع ما يستقبلكم من الزمان .
ولما تشوفوا لذلك أخبروا بالمبشر به بقوله مخبراً إشارة إلى أن المخبر به يحسد من البشرى لكونه معدن السرور { جنات } أي كائنة لكم تتصرفون فيها أعظم تصرف ، والخبر في الأصل دخول ، ولكنه عدل عنه لما ذكر من المبالغة ثم وصفها بما لا تكمل اللذة إلا به فقال ؛ { تجري } وأفهم القرب بإثبات الجارّ فقال : { من تحتها الأنهار } ولما كان ذلك لا يتم مع خوف الانقطاع قال : { خالدين فيها } خلوداً لا آخر له لأن الله أورثكم ذلك ما لا يورث عنكم كما كان حكام الدنيا لأن الجنة لا موت فيها . ولما كان هذا أمراً سارّاً{[62457]} في ذلك المقام الضنك{[62458]} محباً بأمر استأنف مدحه بقوله : { ذلك } أي هذا الأمر العظيم جداً { هو } أي وحده { الفوز العظيم * } أي الذي ملأ بعظمته جميع الجهات من ذواتكم وأبدانكم ونفوسكم وأرواحكم .
{ يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم }
اذكر { يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم } أمامهم { و } يكون { بأيمانهم } ويقال لهم { بُشراكم اليوم جنات } أي ادخلوها { تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم } .
{ يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمْ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ( 12 ) }
يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم على الصراط بين أيديهم وعن أيمانهم ، بقدر أعمالهم ، ويقال لهم : بشراكم اليوم دخول جنات واسعة تجري من تحت أشجارها الأنهار ، لا تخرجون منها أبدًا ، ذلك الجزاء هو الفوز العظيم لكم في الآخرة .
قوله تعالى : { يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم 12 يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا ورآءكم فالتمسوا نورا فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب 13 ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور 14 فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير } .
ذلك إخبار من الله عن أحوال الناس يوم القيامة وما يكابدونه حينئذ من صنوف الأهوال والأفزاع والبلايا . ويكتب الله النجاة والسلامة يومئذ للمؤمنين ليسلكوا سبيلهم إلى الجنة آمنين سعداء . ثم يبقى المنافقون الخاسرون في ظلمات الحشر يكابدون الشدة والخوف والحر والظمأ واليأس – نجّانا الله من ذلك .
وفي هذا يقول سبحانه : { يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم } يوم ، منصوب على أنه ظرف . أو منصوب بإضمار الفعل ( اذكر ) تعظيما لذلك اليوم . وفي هذه الآية يخبر الله عن المؤمنين الصادقين أنهم يوم القيامة { يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم } أي يمضي نورهم أمامهم وبأيمانهم .
وذلك على قدر أعمالهم فيمرون به على الصراط . وقيل : ليس من أحد إلا ويعطي نورا يوم القيامة فإذا انتهوا إلى الصراط انطفأ نور المنافقين فأشفق المؤمنون أن ينطفئ نورهم كما انطفأ نور المنافقين فقالوا : ربنا أتمم لنا نورنا . وقوله : { بين أيديهم وبأيمانهم } لأن السعداء يؤتون صحائف أعمالهم من هاتين الجهتين كما أن الأشقياء يؤتونها من شمائلهم ووراء ظهورهم فجعل النور في الجهتين شعارا لهم وعلامة .
قوله : { بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم } يقال يومئذ { بشراكم } أي لكم البشارة بجنات { تجري من تحتها الأنهار } لابثين ما كثين فيها أبدا لا تبرحون ولا تتحولون { ذلك هو الفوز العظيم } إنه الفوز الأكبر والسعادة الكبرى التي لا يعدلها فوز ولا سعادة .