أأشفقتم : أخفتم ، أو شق عليكم .
تاب الله عليكم : قبل توبتكم ، أو رخص لكم في المناجاة من غير تقديم صدقة .
13- { أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } .
أي : أبخلتم وخفتم الفقر خشية أن تقدموا عددا من الصدقات ، كلما أردتم مناجاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ وفي هذا الاستفهام عتاب رفيق رقيق ، وتوجيه للمسلمين إلى أهمية المحافظة على وقت الرسول صلى الله عليه وسلم ، وبيان قيمة الوقت الذي يقضيه السائل في مناجاته وحده ، وخلوته به وحده ، والنبي صلى الله عليه وسلم على عاتقه شئون أمة بأسرها .
قيل : كان العمل بالآية السابقة عشرة أيام ، وقيل : كان يوما واحدا .
لقد كان الحق سبحانه وتعالى يربي هذه الأمة ويهذبها ، ويرشدها إلى الأمثل والأفضل ، ويطهرها ويزكيها بآداب الوحي الإلهي ، وما إن تحقق المراد حتى خفف الله عن الأمة وجوب تقديم الصدقة قبل المناجاة .
{ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }
فحين لم تقوموا بتقديم الصدقات قبل مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم فقد عذركم الله وقبل توبتكم ، أو تاب عليكم بمعنى غفر لكم وخفف عنكم ، فافعلوا ما فرض عليكم من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، وطاعة الله ورسوله في جميع ما تؤمرون به .
{ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }
فهو محيط بنواياكم وأعمالكم ، ومجازيكم بما قدمتم لأنفسكم من خير وشر .
قال تعالى في هذا المعنى : فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره . ( الزلزلة : 7-8 ) .
وقال سبحانه وتعالى : { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى*وأن سعيه سوف يرى*ثم يجزاه الجزاء الأوفى } . ( النجم : 39-41 ) .
وجاء في التفسير المنير للأستاذ وهبة الزحيلي :
وليس في الآية إشارة إلى وقوع تقصير من الصحابة في تقديم الصدقة ، فقد يكون عدم الفعل لأنهم لم يناجوا ، ولا يدل أيضا قوله : { وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ } . على أنهم قصروا ، لأن المعنى : أنه تاب عليهم برفع التكليف عنهم تخفيفا ، ومثل هذا يجوز أن يعبر عنه بالتوبةxxiii
وتاب الله عليكم : رفع عنكم هذه الصدقة ، ورخَّص لكم في المناجاة من غير تقديم صدقة .
ولما علم اللهُ أنهم تحرّجوا من تقديم الصدقات وأن كثيرا منهم لا يجدُ ما يأكل ، عفا عنهم ورفع الصدقة وقال :
{ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُواْ وَتَابَ الله عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُواْ الصلاة وَآتُواْ الزكاة وَأَطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ } .
لأن الصلاةَ تطهّر النفوس ، والزكاة فيها نفعٌ عام للمؤمنين ، وإطاعة الله ورسوله خير ما يأتيه المؤمن ويتحلى به ، { والله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } فهو محيط بنواياكم وأعمالكم .
ولما دل ختم الآية على التخفيف ، وكان قد يدعي مدعون عدم الوجدان كذباً{[63393]} فيحصل لهم حرج ، وكان تعالى شديد العناية بنجاة هذه الأمة ، دل على لطفه بهم بنسخه بعد فرضه . فقال موبخاً لمن يشح على المال نادباً إلى الخروج عنه من غير إيجاب : { أأشفقتم } أي خفتم من العيلة لما يعدكم به الشيطان من الفقر خوفاً كاد أن يفطر قلوبكم { أن تقدموا } أي{[63394]} بإعطاء الفقراء وهم إخوانكم { بين يدي نجواكم } أي للرسول صلى الله عليه وسلم ، وجمع لأنه أكثر توبيخاً{[63395]} من حيث إنه يدل على أن النجوى تتكرر ، وذلك يدل على عدم خوفهم من مشقة النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك ووجود خوفهم من فعل التصدق فقال : { صدقات } وكان بعضهم ترك وهو واجد فبين سبحانه رحمته لهم بنسخها عنهم لذلك في موضع العقاب لغيرهم عند الترك .
ولما كان من قبلنا إذا{[63396]} كلفوا الأمر الشاق وحملوا على التزامه بمثل رفع الجبل فوقهم ، فإذا خالفوا عوقبوا ، بين فضل هذه الأمة بأنه خفف عنهم ، فقال معبراً بما قد يشعر بأن بعضهم ترك عن قدرة : { فإذ } أي فحين { لم تفعلوا } أي ما أمرتم به من الصدقة للنجوى بسبب هذا الإشفاق { وتاب الله } أي الملك الأعلى الذي كان من شأن ما هو عليه من العظمة أن يعاقب من ترك أمره { عليكم } أي رجع بمن{[63397]} ترك الصدقة عن وجدان ، وبمن تصدق وبمن لم يجد إلى مثل حاله قبل ذلك من سعة الإباحة والعفو والتجاوز والمعذرة والرخصة والتخفيف قبل الإيجاب ، ولم يعاقبكم على الترك ولا على ظهور اشتغال ذلك منكم ، قال مقاتل بن حيان{[63398]} : كان ذلك عشر ليال {[63399]}ثم نسخ{[63400]} ، وقال الكلبي{[63401]} : ما كانت إلا ساعة من نهار . وعلى كل منهما{[63402]} فهي لم تتصل بما قبلها نزولاً وإن اتصلت بها تلاوة وحلولاً ، { فأقيموا } بسبب العفو عنكم شكراً على هذا الكرم والحلم { الصلاة } التي هي طهرة{[63403]} لأرواحكم ووصلة لكم بربكم { وآتوا الزكاة } التي هي نزاهة لأبدانكم وتطهير{[63404]} ونماء لأموالكم وصلة بإخوانكم ، ولا تفرطوا في شيء من ذلك فتهملوه ، فالصلاة نور تهدي إلى المقاصد الدنيوية والأخروية ، وتعين على نوائب الدارين ، والصدقة برهان على صحة القصد في الصلاة .
ولما خص أشرف{[63405]} العبادات البدنية وأعلى المناسك المالية ، عم فقال حاثاً على زيادة النور والبرهان اللذين بهما تقع المشاكلة في الأخلاق فتكون المناجاة عن{[63406]} أعظم{[63407]} إقبال وإنفاق{[63408]} فقال : { وأطيعوا الله } أي الذي له الكمال كله فلم يشركه في إبداعه لكم على ما أنتم عليه أحد { ورسوله } الذي عظمته من عظمته في سائر ما يأمر{[63409]} به فإنه ما أمركم لأجل إكرام رسولكم صلى الله عليه وسلم إلا بالحنيفية السمحة ، وجعل المحافظة على ذلك قائمة مقام ما أمركم به ، ثم نسخه عنكم من تقديم الصدقة على النجوى .
ولما كان قد عفا عن أمر أشعر السياق بأنه وقع فيه تفريط ، فكان ذلك ربما{[63410]} جرى على انتهاك الحرمات ، رهب من جنابه بإحاطة العلم ، وعبر بالخبر لأن أول الآية وبخ على أمر باطن ولم يبالغ بتقديم الجار لما فيها من الأمور الظاهرة ، فقال عاطفاً على ما تقديره : فالله يحب الذين يطيعون : { والله } أي الذي أحاط بكل شيء قدرة وعلماً { خبير بما تعملون * } أي تجدون علمه ، يعلم بواطنه كما يعلم ظواهره .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.