تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{كَلَّاۖ بَلۡۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (14)

المفردات :

كلا : ردع وزجر عن قولهم الباطل .

ران على قلوبهم : غلب وغطى قلوبهم ما اقترفوه من الذنوب ، فلم يهتدوا إلى الحق .

التفسير :

14- كلاّ بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون .

أي : ليرتدع هؤلاء الحمقى الذين لم يتذوقوا كتاب الله ، ولم يعرفوا فضله ، فقالوا عنه : أساطير الأولين ، وليس العيب في القرآن الكريم ، إنما العيب في قلوبهم التي اقترفت المعاصي ، وتشبّعت بالآثام ، ولما كثر اقترافهم للذنوب ترك كل ذنب نكتة سوداء في قلوبهم ، ولما تكاثرت الذنوب غطّى سواد المعاصي قلوبهم ، فلم يفقهوا القرآن ، ولم يتسرب نوره إليهم .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{كَلَّاۖ بَلۡۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (14)

ران على قلبِه : غطى عليه .

ثم بيّن الله تعالى أن الذي جرّأَهم على الجحود والتمادي في الإصرار على الإنكار والكفر هي أفعالهم القبيحة التي مَرَنوا عليها حتى صاروا لا يميزون بين الخُرافة والحجّة الدامغة فقال : { كَلاَّ بَلْ رَانَ على قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } .

ليس القرآنُ والبعثُ والجزاء من الأساطيرِ والخرافات ، بل عَمِيَتْ قلوبُهم وغطّت عليها أفعالُهم وتماديهم في الباطل ، فطُمسَ على بصائرهم ، والتبست عليهم الأمورُ ولم يدركوا الفرقَ بين الصحيح والباطل .

بعد ذلك ردت عليهم السورة ناقضةً ما كانوا يقولون من أن لهم المنزلة والكرامة يوم القيامة .

قراءات :

قرأ حفص : بل ران بإظهار لام بل ، وقرأ الباقون : بل رّان بإدغام اللام بالراء ، وقرأ أهل الكوفة : رِين بالإمالة .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{كَلَّاۖ بَلۡۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (14)

وأما من أنصف ، وكان مقصوده الحق المبين ، فإنه لا يكذب بيوم الدين ، لأن الله قد أقام عليه من الأدلة القاطعة ، والبراهين الساطعة ، ما يجعله حق اليقين ، وصار لقلوبهم مثل الشمس للأبصار{[1382]} ، بخلاف من ران على قلبه كسبه ، وغطته معاصيه ، فإنه محجوب عن الحق .


[1382]:- في ب: وصار لبصائرهم بمنزلة الشمس للأبصار.
 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{كَلَّاۖ بَلۡۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (14)

{ كلا } قال مقاتل : أي لا يؤمنون ، ثم استأنف : { بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون } .

أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الصمد الترابي ، حدثنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن حمويه السرخسي ، أنبأنا إبراهيم بن حزيم الشاشي ، أنبأنا أبو محمد عبد الله بن حميد الكمتي ، حدثنا صفوان بن عيسى ، عن ابن عجلان ، عن القعقاع بن حكيم ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه ، فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه منها ، وإن زاد زادت حتى تعلو قلبه ، فذلك الران الذي ذكر الله في كتابه : { كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون } " . وأصل الرين : الغلبة ، يقال : رانت الخمر على عقله ترين ريناً وريوناً إذا غلبت عليه حتى سكر . ومعنى الآية ، غلبت على قلوبهم المعاصي وأحاطت بها . قال الحسن : هو الذنب على الذنب حتى يموت القلب . قال ابن عباس : { ران على قلوبهم } : طبع عليها .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{كَلَّاۖ بَلۡۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (14)

ولما كان هذا قد صار كالأنعام في عدم النظر بل هو أضل سبيلاً لأنه قادر على النظر دونها{[72190]} ، قال رادعاً له ومكذباً ومبيناً لما أدى به إلى هذا القول وهو لا يعتقده : { كلا } أي ليرتدع ارتداعاً عظيماً ولينزجر انزجاراً شديداً ، فليس الأمر كما قال في المتلو ولا هو-{[72191]} معتقد{[72192]} له اعتقاداً جازماً لأنه لم يقله عن بصيرة { بل ران } أي غلب وأحاط وغطى تغطية الغيم للسماء والصدأ للمرآة ، وجمع اعتباراً بمعنى " كل " لئلا يتعنت متعنت ، فقال معبراً بجمع الكثرة إشارة إلى كثرتهم : { على قلوبهم } أي كل من قال هذا القول { ما كانوا } أي{[72193]} بجبلاتهم الفاسدة { يكسبون * } أي يجددون كسبه مستمرين عليه من الأعمال الردية ، فإن كثرة الأفعال سبب لحصول الملكات إن خيراً فخيراً{[72194]} وإن شراً فشراً{[72195]} ، فيتراكم الذنب على القلب فيسود ، فلذلك كانوا يقولون مثل هذا الاعتقاد ، بل هو شيء يسدون به المجلس ويقيمون لأنفسهم عند العامة المعاذير ويفترون به عزائم التالين بما{[72196]} يحرقون من{[72197]} قلوبهم - أحرق الله قلوبهم وبيوتهم بالنار - فإنهم لا ينقطعون في عصر من الأعصار ولا يخشون من عار ولا شنار ، روى أحمد{[72198]} والترمذي{[72199]} وابن ماجه{[72200]} عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا أذنب العبد نكتت{[72201]} في قلبه نكتة سوداء فإن تاب صقل منها ، وإن زاد زادت حتى تعلو قلبه ، فذلك الران الذي قال الله سبحانه وتعالى " وقال الغزالي في كتاب التوبة{[72202]} من الإحياء : قد سبق أن الإنسان {[72203]}لا يخلو في مبدأ خلقته{[72204]} عن اتباع الشهوات ، وكل شهوة اتبعها الإنسان ارتفع منها ظلمة إلى قلبه كما يرتفع عن نفس الإنسان ظلمة إلى وجه المرآه الصقيلة ، فإن تراكمت ظلمة الشهوات صار ريناً كما يصير بخار النفس في وجه المرآة عند تراكمه خبثاً ، فإذا تراكم الرين صار طبعاً كالخبث على وجه المرآة-{[72205]} إذا تراكم وطال زمانه غاص في جرم الحديد وأفسده وصار لا يقبل التصقيل بعده ، وصار كالمطبوع من الخبث{[72206]} ولا يكفي في تدارك اتباع الشهوات تركها في المستقبل بل لا بد من محو تلك الآثار التي انطبعت في القلب كما لا يكفي في ظهور الصورة في المرآة قطع الأنفاس والبخارات المسودة لوجهها في المستقبل ما لم يشتغل بمحو ما انطبع فيها من الآثار ، وكما يرتفع إلى القلب ظلمة من المعاصي والشهوات فيرتفع إليه نور من الطاعات وترك الشهوات فتنمحي ظلمة المعصية بنور الطاعة ، وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم :

" وأتبع السيئة الحسنة تمحها " .


[72190]:من ظ و م، وفي الأصل: دونه.
[72191]:زيد من ظ وم.
[72192]:من ظ و م، وفي الأصل: يعتقد.
[72193]:زيد في الأصل: كانوا، ولم تكن الزيادة في ظ و م فحذفناها.
[72194]:من ظ و م، وفي الأصل: فخير.
[72195]:من ظ و م، وفي الأصل: فشر.
[72196]:من م، وفي الأصل: مما، وفي ظ: ما.
[72197]:من م، وفي الأصل و ظ: به.
[72198]:راجع المسند 2/297.
[72199]:راجع الجامع 2/169.
[72200]:راجع السنن ص: 323.
[72201]:من ظ و م، وفي الأصل: نكت.
[72202]:راجع 4/8.
[72203]:من ظ و م والإحياء، وفي الأصل: في مبدأ خلقه لا يملو.
[72204]:من ظ و م والإحياء، وفي الأصل: في مبدأ خلقه لا يملو.
[72205]:زيد من ظ و م والإحياء.
[72206]:من م، وفي الأصل و ظ: الحشب.