المخلفون : هم الذين تخلفوا في أهليهم عن صحبة الرسول صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية ، جمع مخلف .
الأعراب : سكان البادية من العرب ، لا واحد له .
فمن يملك لكم : استفهام بمعنى النفي ، أي : لا أحد يملك لكم .
ضرا : ما يضر من هلاك الأهل والمال وضياعهما .
نفعا : ما ينفع من حفظ المال والأهل .
11- { سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا } .
كان حول المدينة أعراب من جهينة ومزينة ، وغفار وأشجع ، والديل وأسلم ، وقد تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج لأداء العمرة ، وظنوا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لن ينتصر على قريش ، ومعها ثقيف وكنانة والقبائل المجاورة لمكة ، وهم الأحابيش .
وقالوا : كان أهل مكة يغزونه بالمدينة في عقر داره ، في غزوتي أحد والخندق ، فكيف يذهب إليهم بنفسه ، وما علموا أن لله ملك السماوات والأرض ، وأن بيده الخلق والأمر والنصر ، وأنه على كل شيء قدير .
وفي الآية إعجاز غيبي ، حيث أخبر الله رسوله بما سيقوله الأعراب الذي تخلفوا عن الخروج معه .
سيقول لك المتخلفون عن الجهاد من الأعراب ، معتذرين عن تخلفهم : انشغلنا برعاية أموالنا وأبنائنا ونسائنا ، فاطلب من الله المغفرة لنا على هذا التقصير عن الجهاد ، وهم لم يقولوا الحقيقة ، ولم يعترفوا بالسبب الحقيقي لتخلفهم ، بل قالوا كلاما فيه نوع من التقية والمداراة ، وعدم إظهار العذر الحقيقي للتخلف .
{ قل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا أو أراد بكم نفعا . . . }
أي : ليس الشغل بالأهل والمال والولد عذرا ، فكل المجاهدين لهم أموال وأولاد ، والحقيقة اليقينية هي أن الضر والنفع بيد الله ، وأن الغنى والفقر بيد الله ، والصحة والمرض بيد الله ، فإذا أراد الله بكم ضرا فلا أحد يستطيع أن يدفعه ، وإذا أراد الله بكم خيرا أو نفعا فلا أحد يستطيع أن يمنعه ، ولو استقر الإيمان في قلوبكم لخرجتم للجهاد مع المجاهدين ، وعلمتم أن النفع وحفظ المال والأهل من عند الله ، وأن الضرر لا يدفعه إلا الله .
{ بل كان الله بما تعملون خبيرا } .
بل كان الله مطلعا على قلوبكم ونياتكم ، وسيجازيكم عليها جزاء عادلا .
وهذا رد عليهم حين ظنوا أن التخلف عن الرسول صلى الله عليه وسلم يدفع عنهم الضر ، ويعجل لهم النفع .
المخلَّفون : واحدهم مخلّف ، وهو المتروك في المكان خلف الذين خرجوا منه . الأعراب : أهلُ البادية .
عندما أراد النبي صلى الله عليه وسلم الخروج إلى مكة معتمراً دعا جميع المسلمين للخروج معه فتخلّف البدو من جهينة ومزينة وغفار وأشجعَ وأسلم وغيرهم وتعللوا بأن أموالهم وأهليهم قد شغلتهم . والحقيقةُ أنهم كانوا ضِعاف الإيمان ، يخشون أن تقع الحرب . وقالوا : لن يرجع محمد ولا أصحابه من هذا السفر . ففضحهم الله في هذه الآية لأنهم كاذبون يقولون خلاف ما يبطنون ، وأمر رسوله الكريم أن يرد عليهم بقوله : { قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مِّنَ الله شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً ؟ } والله عليم بكل ما تعملون .
قرأ حمزة والكسائي : إن أراد بكم ضُرا بضم الضاد . وقرأ الباقون : ضَرا بفتح الضاد .
{ 11-13 } { سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا * بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا * وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا }
يذم تعالى المتخلفين عن رسوله ، في الجهاد في سبيله ، من الأعراب الذين ضعف إيمانهم ، وكان في قلوبهم مرض ، وسوء ظن بالله تعالى ، وأنهم سيعتذرون بأن أموالهم وأهليهم شغلتهم عن الخروج في الجهاد ، وأنهم طلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستغفر لهم ، قال الله تعالى : { يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ } فإن طلبهم الاستغفار من رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على ندمهم وإقرارهم على أنفسهم بالذنب ، وأنهم تخلفوا تخلفا يحتاج إلى توبة واستغفار ، فلو كان هذا الذي في قلوبهم ، لكان استغفار الرسول نافعا لهم ، لأنهم قد تابوا وأنابوا ، ولكن الذي في قلوبهم ، أنهم إنما تخلفوا لأنهم ظنوا بالله ظن السوء .
قوله تعالى : { سيقول لك المخلفون من الأعراب } قال ابن عباس ، ومجاهد : يعني أعراب بني غفار ومزينة وجهينة ، وأشجع وأسلم ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراد المسير إلى مكة عام الحديبية معتمراً استنفر من حول المدينة من الأعراب وأهل البوادي ليخرجوا معه حذراً من قريش أن يعرضوا له بحرب ، أو يصدوه عن البيت ، فأحرم بالعمرة وساق معه الهدي ليعلم الناس أنه لا يريد حرباً ، فتثاقل عنه كثير من الأعراب وتخلفوا واعتلوا بالشغل ، فأنزل الله تعالى فيهم : { سيقول لك المخلفون من الأعراب } يعني الذين خلفهم الله عز وجل عن صحبتك ، فإذا انصرفت من سفرك إليهم فعاتبهم على التخلف عنك { شغلتنا أموالنا وأهلنا } يعني النساء والذراري ، أي لم يكن لنا من يخلفنا فيهم . { فاستغفر لنا } تخلفنا عنك ، فكذبهم الله عز وجل في اعتذارهم ، فقال : { يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم } من أمر الاستغفار ، فإنهم لا يبالون أستغفر لهم النبي صلى الله عليه وسلم أو لا . { قل فمن يملك لكم من الله شيئاً إن أراد بكم ضراً } سوءا { أو أراد بكم نفعا } قرأ حمزة والكسائي : { ضراً } بضم الضاد ، وقرأ الآخرون بفتحها لأنه قابله بالنفع ، والنفع ضد الضر ، وذلك أنهم ظنوا أن تخلفهم عن النبي صلى الله عليه وسلم يدفع عنهم الضر ، ويعجل لهم النفع بالسلامة في أنفسهم وأموالهم ، فأخبرهم الله تعالى أنه إن أراد بهم شيئاً من ذلك لم يقدر أحد على دفعه . { بل كان الله بما تعملون خبيراً* }
{ سيقول لك المخلفون من الأعراب } الآية لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم المسير إلى مكة عام الحديبية استنفر من حول المدينة من الأعراب حذرا من قريش أن يعرضوا له بحرب فتثاقلوا عنه وخافوا قريشا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أنفسهم فأنزل الله تعالى { سيقول لك المخلفون } الذين خلفهم الله عن صحبتك إذا انصرفت إليهم فعاتبتهم عن التخلف { شغلتنا } عن الخروج معك { أموالنا وأهلونا } أي ليس لنا من يقوم فيها إذا خرجنا { فاستغفر لنا } تركنا الخروج معك ثم كذبهم الله تعالى في ذلك العذر فقال { يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم } ا لآية