واصبر لحكم ربك : بإمهالهم ، ولا يضق صدرك بكفرهم وعنادهم ، وعدم تعجيل العذاب لهم .
وسبح بحمد ربك : واستعن على الصبر بالتسبيح والتحميد ، أي قل : سبحان الله وبحمده .
48- { وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ } .
تأتي آخر السورة بردا وسلاما على قلب الرسول صلى الله عليه وسلم ، بعد مناقشة طويلة للمشركين ، وتهديد شديد لهم . يتجه القرآن في آخر سورة الطور لمواساة الرسول صلى الله علي وسلم ، على ما لاقاه من قومه في مكة ، وفي الهجرة ، وفي المدينة ، فيقول : وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا . . . اصبر على قضاء الله ، وعلى ما كلفك به من أمر الرسالة ، وتبعاتها من التبليغ والصبر والاحتمال .
{ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا . . . }
فإنك في رعايتنا ومعيتنا وتوفيقنا ، وألطافنا وحناننا ، وفضلنا ورؤيتنا ، لما أصابك من أذى المشركين ، وتدبيرنا لحفظك ورعايتك ، وإعلاء شأنك ، وحفظ الكتاب الخالد ، والدعوة الإسلامية ، والأمة الإسلامية لتكون خير أمة أخرجت للناس .
جاء في ظلال القرآن للأستاذ سيد قطب :
{ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا . . . }
ويا له من تعبير ، ويا له من تصوير ، ويا له من تقدير ، إنها مرتبة لم يبلغها قط إنسان ، هذه المرتبة التي يصوّرها هذا التعبير الفريد في القرآن كلّه ، حتى بين التعبيرات المشابهة .
لقد قال الله تعالى لموسى عليه السلام : { وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى } . ( طه : 13 )
وقال له : { وألقيت عليك محبة مني ولتُصنَع على عيني } . ( طه : 39 )
وقال له : { واصطنعتك لنفسي } . ( طه : 41 )
وكلها تعبيرات تدل على مقامات رفيعة ، ولكنه قال لمحمد صلى الله عليه وسلم : فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا . . .
وهو تعبير فيه إعزاز خاص ، و أنس خاص ، وهو يلقى ظلا فريدا أرق وأشفّ من كل ظلّ ، ولا يملك التعبير البشري أن يترجم هذا التعبير الخاص ، فحسبنا أن نشير إلى ظلاله ، وأن نعيش في هذا الظلال . أ . ه
وقد عقد الإمام الآلوسي في تفسيره مقارنة بين قول الله تعالى لموسى : ولتُصنع على عيني . بالإفراد ، وقوله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم : { فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا } . بصيغة الجمع للدلالة على المبالغة في الحفظ ، كأن معه من الله تعالى حفَّاظا يكلؤونه بأعينهم ، أي : أنت بمرأى منا ، وتحت رعايتنا وحمايتنا وحفظنا .
أي : عندما تقوم من مجلسك ، أو عندما تقوم من نومك في ظلام الليل ، أو عند الفجر .
وقد ورد ما يؤيد ذلك في السنّة المطهرة ، فقد أخرج أبو داود ، والنسائي ، والحاكم ، وابن مردويه ، وابن أبي شيبة ، عن أبي برزة الأسلمي ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بآخر عمره إذا قام من المجلس يقول : " سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك " . فقال رجل : يا رسول الله ، إنك لتقول قولا ما كنت تقوله فيما مضى : قال : " كفارة لمن يكون في المجلس " vii .
وروي أن جبريل علّم النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من مجلسه أن يقول : " سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك " .
وقيل : المراد سبح بحمد ربك إذا قمت من منامك ، لتكون متفتحا لعملك بذكر الله .
روى البخاري ، ومسلم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا قام إلى الصلاة في جوف الليل : " اللهم لك الحمد ، أنت نور السماوات والأرض وما فيهن ، ولك الحمد أنت قيوم السماوات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن ، وأنت الحق ، ووعدك الحق ، وقولك الحق ، ولقاؤك حق ، والجنّة حق ، والنار حق ، والساعة حق ، والنبيّون حق ، ومحمد حق ، اللهم لك أسلمت ، وعليك توكلت ، وبك آمنت ، وإليك أنبت ، وبك خاصمت ، وإليك حاكمت ، فاغفر لي ما قدّمت وما أخرت ، وما أسررت وما أعلنت ، أنت المقدّم وأنت المؤخر ، لا إله إلا أنت ، ولا إله غيرك " viii .
وعن ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا استيقظ من الليل مسح النوم عن وجهه ، ثم قرأ العشر آيات الأواخر من سورة آل عمرانix .
ولما كان العلم المحيط من الملك القاهر أعظم مسل للولي وأكبر مخيف للعدو ، قال عاطفاً على { فذرهم } أو على ما تقديره : فكن أنت العلماء بذلك ليكون فيه لك أعظم تسلية : { واصبر } أي أوجد هذه الحقيقة لتصبر على ما أنت فيه من أداء الرسالة وما لها من الكلف من أذى الناس وغيره ولكونه في مقام الإعراض{[61650]} عن الكفار وكون إعراضه عنهم أصعب عليه من مقاساة إنذاره وإن نشأ عنها تكذيبهم واستهزاؤهم ، اشتدت العناية هنا بالصبر فقدم ، وأيضاً فإن الإعراض عنهم مقتض لعدهم فانين ، وذلك هو مقام الجمع ، والجمع لا يصلح إلا بالفرق ، فلذلك قدم الأمر بالصبر ، وذكر الحكم إشارة إلى أنه متمكن في مقام الفرق كما أنه عريق في مقام الجمع بخلاف المدثر ، فإن سياقها للإنذار الناشىء عنه غاية الأذى فاشتدت العناية هناك{[61651]} بتقديم ذكر الإله نظراً إلى الفناء عن الفانين وإن كان مباشراً لدعائهم ، وعبر بما يذكر بحسن التربية زيادة في التعزية فاقتضى هذا السياق أن رغبه سبحانه بقوله : { لحكم ربك } أي المحسن إليك فإنه هو المريد لذلك ولو لم يرده لم يكن شيء منه ، فهو إحسان منه{[61652]} إليك وتدريب لك وترقية في معارج الحكم ، وسبب عن ذلك قوله لما يغلب على الطبع البشري في بعض أوقات الامتحان من نوع نسيان : { فإنك بأعيننا } جمع لما اقتضته نون العظمة{[61653]} التي هذا سياقها ، وهي ظاهرة في الجمع وإشارة إلى أنه محفوف بالجنود الذين رؤيتهم من رؤيته سبحانه فهو مكلوء مرعى به وبجنوده وفاعل في حفظه فعل من له أعين محيطة بمحفظه من كل جهة من جهاته .
ولما كانت الطاعة أعظم ناصر وأكبر معز ، وكانت الصلاة أعظمها قال : { وسبح } أي أوقع التنزيه عن شائبة كل نقص بالقلب واللسان والأركان ، متلبساً { بحمد ربك } أي المحسن إليك ، فأثبت له{[61654]} كل كمال مع تنزيهه له عن كل نقص ، فلا يكون في ملكه ما لا يريد ولا يريد إلا ما{[61655]} هو حكمة بالغة { حين تقوم * } أي من الليل في جميع الأوقات التي هي مظنة القيام على الأمور الدنيوية والأشغال النفسانية ، وهي أوقات النهار الذي هو{[61656]} للانتشار بصلاة الصبح والظهر والعصر ، وتحتمل العبارة التسبيح عند كل قيام بكفارة المجلس وهو{[61657]} " سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله أنت أستغفرك وأتوب إليك " فإنها تكفر ما كان في المجلس - كما رواه أبو داود والترمذي وقال : حسن صحيح غريب والنسائي وابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.