تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{تَبَٰرَكَ ٱسۡمُ رَبِّكَ ذِي ٱلۡجَلَٰلِ وَٱلۡإِكۡرَامِ} (78)

62

المفردات :

تبارك اسم ربك : تعالى ، أو كثر خيره وإحسانه وتنزه ربنا .

ذي الجلال : العظمة والاستغناء المطلق .

الإكرام : الفضل التام والإحسان .

التفسير :

78- { تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ } .

تنزَّه وتقدس الله العظيم ، وكثرت خيراته ، وفاضت بركاته .

{ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَام }

صاحب العظمة والكبرياء ، والفضل والإنعام .

روى الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ألِظّوا بيا ذا الجلال والإكرام " xiv .

أي : الزموا ذكره ، والإلحاح عليه .

وفي صحيح مسلم ، عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلّم لا يقعد – تعني بعد الصلاة – إلا بقدر ما يقول : " اللهم أنت السلام ، ومنك السلام ، تباركت يا ذا الجلال والإكرام " xv .

ختام السورة:

في ختام سورة الرحمن

قال في التسهيل لعلوم التنزيل ما يأتي :

الجنتان المذكورتان أولا للسابقين ، والجنتان المذكورتان ثانيا لأصحاب اليمين .

وانظر كيف جعل أوصاف الجنتين الأوليين أعلى من أوصاف الجنتين اللتين بعدهما ، فقال هناك : فِيهِمَا عَيْنَانِ تجريان .

وقال هنا : فيهما عينان نضاختان . والجري أشد من النضخ .

وقال هناك : فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ .

وقال هنا : فيهما فاكهة ونخل ورمان . والأول أعم وأشمل .

وقال في وصف الحور هناك : كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ .

وقال هنا : فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ . وليس كل حسن كحسن الياقوت والمرجان ، فالوصف هناك أبلغ إلخ .

***

خلاصة ما اشتملت عليه سورة الرحمن

الله تعالى صاحب المنن العظام ، وكل ما نراه في الكون من آثار رحمته ، فهو قد خلق السماء والأرض ، والجنة والنار ، وعذب العاصين ، وأثاب المطيعين ، وآتاهم من فضله ، ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر .

دعاء

اللهم إنا نسألك الجنة وما قرّب إليها من قول وعمل ، ونعوذ بك من النار وما قرّب إليها من قول وعمل ، اللهم حبِّب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا ، وكرّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان ، واجعلنا من الراشدين ، اللهم احفظ علينا سمعنا وبصرنا وسائر جوارحنا واجعله الوارث منّا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همّنا ولا مبلغ علمنا .

اللهم أكرمنا بالقرآن العظيم ، وارزقنا تلاوته على النحو الذي يرضيك عنا ، اللهم اجعله لنا دليلا وإماما ، وفي القبر مؤنسا ، وعلى الصراط نورا ، وإلى الجنة هاديا ورفيقا ، اللهم اختم لنا بالإيمان والإسلام ، وصل اللهم على سيدنا محمد النبي الأمي ، وعلى آله وصحبه وسلم .

***

i تفسير النسفي 4/159 ، والمعنى : يظهرها أمام أعين الناس ولا يبتكرها اليوم بل يقضي بوقوعها ، ومن أصول الإيمان أن نؤمن بالقضاء والقدر ، والقضاء : ما وقع أمام الناس ، والقدر : ما قدر الله وقوعه في الأزل .

ii تفسير النسفي 4/159 .

iii تفسير الجلالين ص 494 .

iv يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي :

رواه مسلم في البر والصلة والآداب ( 2577 ) ، والترمذي في صفة القيامة ( 2459 ) وابن ماجة ( 4275 ) وأحمد ( 5/154 ، 160 ، 177 ) وعبد الرزاق ( 20272 ) من حديث أبي ذر .

v إن لربك عليك حقا :

رواه البخاري في الصوم ( 1968 ) وفي الأدب ( 6139 ) والترمذي في الزهد ( 2413 ) من حديث أبي جحيفة قال : آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء فزار سلمان أبا الدرداء فرأى أم الدرداء متبذلة فقال لها : ما شأنك ؟ قالت : أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا ، فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاما فقال : كل ، قال : فإني صائم قال : ما أنا بآكل حتى تأكل فأكل فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم قال : نم ، فنام ثم ذهب يقوم فقال : نم ، فلما كان من آخر الليل قال سلمان : قم الآن فقال له سلمان : إن لربك عليك حقا ولنفسك عليك حقا ولأهلك عليك حقا فأعط كل ذي حق حقه ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " صدق سلمان " . ورواه البخاري في الصوم ( 1974 ، 1975 ) وفي النكاح ( 5199 ) وفي الأدب ( 6134 ) ومسلم في الصيام ( 1159 ) والنسائي في الصيام ( 2391 ) وأحمد في مسنده ( 6828 ) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال : دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث ، يعني : " إن لزورك عليك حقا وإن لزوجك عليك حقا " ، فقلت : وما صوم داود ؟ قال : " نصف الدهر " . ورواه أبو داود في الصلاة ( 1369 ) وأحمد في مسنده ( 25776 ) من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى عثمان بن مظعون فجاءه فقال : " يا عثمان ، أرغبت عن سنتي " ؟ قال : لا والله ولكن سنتك أطلب ، قال : " فإني أنام وأصلي ، وأصوم وأفطر وأنكح النساء فاتق الله يا عثمان ، فإن لأهلك عليك حقا وإن لضيفك عليك حقا وإن لنفسك عليك حقا ، فصم وأفطر ، وصل ونم " .

vi خلقت الملائكة من نور وخلق الجان :

رواه مسلم في الزهد ( 2996 ) وعبد بن حميد في مسنده ( 1477 ) وأحمد في مسنده ( 6/153 ، 168 ) .

vii انظر المنتخب في تفسير القرآن الكريم ، الطبعة العاشرة ، مطابع الأهرام التجارية ص 645 .

viii ألظوا بيا ذا الجلال والإكرام :

رواه الترمذي في الدعوات ( 3525 ) من حديث أنس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ألظوا بيا ذا الجلال والإكرام " . وقال : هذا حديث غريب وليس بمحفوظ .

ix يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث :

ذكره الهيثمي في المجمع ( 10/183 ) وعزاه الطبراني في الصغير والأوسط من طريق سلمة بن حرب بن زياد عن أبي مدرك ، عن أنس ، وسلمة بن حرب مجهول كشيخه أبي مدرك وقد وثقه ابن حبان وذكر له هذا الحديث في ترجمته ، وفي الميزان : أبو مدرك قال الدارقطني : متروك فلا أدري هو أبو مدرك هذا أو غيره ، وبقية رجاله ثقات . وانظر : ابن حبان في الثقات ( 6/398 ) ، من حديث أبي هريرة قال : " . . وإذا اجتهد في الدعاء قال يا حي يا قيوم " . أه . وقال : حديث غريب ، وذكره في نفس الباب برقم ( 3446 ) ، من حديث أنس بن مالك قال : كان إذا كربه أمر قال : " يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث " . أه .

x جنتان من فضة آنيتهما :

رواه البخاري في تفسير القرآن ( 4878-4880 ) وفي التوحيد ( 7444 ) ومسلم في الإيمان ( 180 ) وفي الجنة ( 2838 ) والترمذي في صفة الجنة ( 2527 ) وابن ماجة في المقدمة ( 186 ) والدارمي في الرقاق ( 2833 ) وأحمد في مسنده ( 19183 ) من حديث عبد الله بن قيس ( أبي موسى الأشعري ) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة عرضها ستون ميلا ، من كل زاوية منها أهل ما يرون الآخرين ، يطوف عليهم المؤمنون ، جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما ، وجنتان من كذا آنيتهما وما فيهما ، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبر على وجهه في جنة عدن " .

xi إن المرأة من نساء أهل الجنة :

رواه الترمذي في صفة آهل الجنة ( 2532 ) من حديث عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن المرأة من نساء أهل الجنة ليرى بياض ساقها من وراء سبعين حلة حتى يرى مخها وذلك بأن الله يقول : { كأنهن الياقوت والمرجان } فأما الياقوت فإنه حجر لو أدخلت فيه سلكا ثم استصفيته لأريته من ورائه " .

xii مختصر تفسير ابن كثير ، المجلد الثالث ص 425 ، تحقيق محمد علي الصابوني .

xiii إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلوة :

رواه مسلم في الجنة ( 2838 ) من حديث عبد الله بن قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها ستون ميلا ، للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضا " .

xiv ألظو بيا ذا الجلال :

تقدم تخريجه ، انظر هامش ( 82 ) .

xv اللهم أنت السلام ومنك السلام :

رواه مسلم في المساجد ( 592 ) من حديث عائشة قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم لم يقعد إلا مقدار ما يقول : " اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام " .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{تَبَٰرَكَ ٱسۡمُ رَبِّكَ ذِي ٱلۡجَلَٰلِ وَٱلۡإِكۡرَامِ} (78)

ثم يأتي ختام هذه السورة الجليلة بالتنزيه والتسبيح باسم الله الجليل الكريم الذي يبقى وجهه الكريم ويفنى كل شيء في هذا الكون .

قراءات : قرأ ابن عامر : { تَبَارَكَ اسم رَبِّكَ ذِي الجلال والإكرام } برفع ذو ، والباقون : ذي الجلال بالجر . .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{تَبَٰرَكَ ٱسۡمُ رَبِّكَ ذِي ٱلۡجَلَٰلِ وَٱلۡإِكۡرَامِ} (78)

ثم ختم السورة بما ينبغي أن يمجد به ويعظم فقال { تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام }

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{تَبَٰرَكَ ٱسۡمُ رَبِّكَ ذِي ٱلۡجَلَٰلِ وَٱلۡإِكۡرَامِ} (78)

{ تبارك اسم ربك } ذكر تبارك في الفرقان وغيرها والاسم هنا يراد به المسمى على الأظهر ، وقرأ الجمهور ذي الجلال بالياء صفة لربك ، وقرأ ابن عامر بالواو صفة للاسم وقد ذكر معنى ذي الجلال والإكرام .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{تَبَٰرَكَ ٱسۡمُ رَبِّكَ ذِي ٱلۡجَلَٰلِ وَٱلۡإِكۡرَامِ} (78)

ولما دل ما ذكر في هذه السورة من النعم على إحاطة مبدعها بأوصاف الكمال ، ودل بالإشارة بالنعمة الأخيرة على أن نعمه لا نهاية لها لأنه مع أن له الكمال كله متعال عن شائبة نقص ، فكانت ترجمة ذلك قوله في ختام نعم الآخرة مناظرة لما تقدم من ختام نعم الدنيا معبراً هناك بالبقاء لما ذكر قبله ، من الفناء ، وهذا بما{[62047]} من البركة{[62048]} إشارة إلى أن نعمه لا انقضاء لها{[62049]} : { تبارك } قال ابن برجان : تفاعل من البركة ، ولا يكاد يذكره جل ذكره إلا عند أمر معجب - انتهى ، ومعناه ثبت ثباتاً لا يسع العقول جمع وصفه لكونه على صيغه المفاعلة المفيدة لبذل الجهد إذا كانت ممن تمكن منازعته ، وذلك مع اليمن والبركة والإحسان . ولما كان تعظيم الاسم أقعد وأبلغ في تعظيم المسمى قال : { اسم ربك } أي المحسن إليك بإنزال هذا القرآن الذي جبلك على متابعته فصرت مظهراً له وصار خلقاً لك فصار إحسانه إليك فوق الوصف ، ولذلك قال واصفاً للرب في قراءة الجمهور : { ذي الجلال } أي العظمة الباهرة فهو المنتقم من الأعداء { والإكرام * } أي الإحسان الذي لا يمكن الإحاطة به فهو المتصف بالجمال الأقدس المقتضي لفيض الرحمة على جميع الأولياء ، وقراءة ابن عامر { ذو } صفة للاسم ، وكذا هو في مصاحف أهل الشام ، والوصفان الأخيران من شبه الاحتباك حذف من الأول متعلق الصفة وهو النقمة للأعداء ، ومن الثاني أثر الإكرام وهو الرحمة للأولياء ، فإثبات الصفة أولاً يدل على حذف ضدها ثانياً ، وإثبات الفعل ثانياً يدل على حذف ضده أولاً ، وقال الرازي {[62050]}في اللوامع{[62051]} : كأنه يريد بالاسم الذي افتتح به السورة وقد انعطف آخر السورة على أولها{[62052]} على وجه أعم ، فيشمل الإكرام بتعليم القرآن وغيره والانتقام بإدخال النيران وغيرها - الله سبحانه وتعالى هو الموفق للصواب .

ختام السورة:

وقد انعطف آخر السورة على أولها على وجه أعم ، فيشمل الإكرام بتعليم القرآن وغيره والانتقام بإدخال النيران وغيرها - الله سبحانه وتعالى هو الموفق للصواب .


[62047]:- زيد من ظ.
[62048]:- زيد في الأصل: ولا يكاد، ولم تكن الزيادة في ظ فحذفناها.
[62049]:- راجع نثر المرجان 7/ 161.
[62050]:- سقط ما بين الرقمين من ظ.
[62051]:- سقط ما بين الرقمين من ظ.
[62052]:- من ظ، وفي الأصل: أول السورة على آخرها.