تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{ظَهَرَ ٱلۡفَسَادُ فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ بِمَا كَسَبَتۡ أَيۡدِي ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعۡضَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ} (41)

{ ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون( 41 ) قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل كان أكثرهم مشركين( 42 ) فأقم وجهك للدين القيم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله يومئذ يصدعون( 43 ) من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون( 44 ) ليجزي الذين ءامنوا وعملوا الصالحات من فضله إنه لا يحب الكافرين( 45 ) }

المفردات :

ظهر الفساد : الفساد : الخلل في الأشياء كالجدب والقحط وقلة النبات وكثرة الحروق والغرق و أخد المال ظلما وكثرة المضار وقلة المنافع .

البر : الجزء اليابس من الأرض .

البحر : الجزء المائي والمراد من أهل البر سكان القرى والمدن والفيافي وأهل البحر سكان السواحل وركاب البحار .

بما كسبت : بسبب معاصيهم وذنوبهم .

ليذيقهم بعض : ليذيقهم وبال بعض أعمالهم وعقوبته في الدنيا .

يرجعون : يتوبون .

41

التفسير :

{ ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون . }

أي : انتشر الغلاء والوباء والخلل والانحراف ونقص الزروع والأنفس والثمرات وقلة المطر وكثرة الجدب والقحط والتصحر بسبب شؤم معاصي الناس وذنوبهم من الكفر والظلم ، وانتهاك الحرمات ومعاداة الدين الحق والاعتداء على الحقوق ومعصية الله على وجه الأرض وعلى ظهر السفن في لجج البحر ليذيقهم الله تعالى جزاء بعض عملهم وسوء صنيعهم لعلهم يرجعون عما هم عليه ويتوبون إلى الله تعالى في الدنيا قبل الموت .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{ظَهَرَ ٱلۡفَسَادُ فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ بِمَا كَسَبَتۡ أَيۡدِي ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعۡضَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ} (41)

قوله تعالى : " ظهر الفساد في البر والبحر " اختلف العلماء في معنى الفساد والبر والبحر ، فقال قتادة والسدي : الفساد الشرك ، وهو أعظم الفساد . وقال ابن عباس وعكرمة ومجاهد : فساد البر قتل ابن آدم أخاه ؛ قابيل قتل هابيل . وفي البحر بالملك الذي كان يأخذ كل سفينة غصبا . وقيل : الفساد القحط وقلة النبات وذهاب البركة . ونحوه قال ابن عباس قال : هو نقصان البركة بأعمال العباد كي يتوبوا . قال النحاس : وهو أحسن ما قيل في الآية . وعنه أيضا : أن الفساد في البحر انقطاع صيده بذنوب بني آدم . وقال عطية : فإذا قل المطر قل الغوص عنده ، وأخفق الصيادون ، وعميت دواب البحر . وقال ابن عباس : إذا مطرت السماء تفتحت الأصداف في البحر ، فما وقع فيها من السماء فهو لؤلؤ . وقيل : الفساد كساد الأسعار وقلة المعاش . وقيل : الفساد المعاصي وقطع السبيل والظلم ، أي صار هذا العمل مانعا من الزرع والعمارات والتجارات ، والمعنى كله متقارب . والبر والبحر هما المعروفان المشهوران في اللغة{[12526]} وعند الناس ، لا ما قاله بعض العباد : أن البر اللسان ، والبحر القلب ؛ لظهور ما على اللسان وخفاء ما في القلب . وقيل : البر : الفيافي ، والبحر : القرى ، قاله عكرمة . والعرب تسمي الأمصار البحار . وقال قتادة : البر أهل العمود ، والبحر أهل القرى والريف . وقال ابن عباس : إن البر ما كان من المدن والقرى على غير نهر ، والبحر ما كان على شط نهر ، وقاله مجاهد ، قال : أما والله ما هو بحركم هذا ، ولكن كل قرية على ماء جار فهي بحر . وقال معناه النحاس ، قال : في معناه قولان : أحدهما : ظهر الجذب في البر ، أي في البوادي وقراها ، وفي البحر أي في مدن البحر ، مثل : " واسأل القرية " {[12527]} [ يوسف : 82 ] . أي ظهر قلة الغيث وغلاء السعر . " بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض " أي عقاب بعض " الذين عملوا " ثم حذف . والقول الآخر : أنه ظهرت المعاصي من قطع السبيل والظلم ، فهذا هو الفساد على الحقيقة ، والأول مجاز إلا أنه على الجواب الثاني ، فيكون في الكلام حذف واختصار دل عليه ما بعده ، ويكون المعنى : ظهرت المعاصي في البر والبحر فحبس الله عنهما الغيث وأغلى سعرهم ليذيقهم عقاب بعض الذي عملوا . " لعلهم يرجعون " لعلهم يتوبون . وقال : " بعض الذي عملوا " لأن معظم الجزاء في الآخرة . والقراءة " ليذيقهم " بالياء . وقرأ ابن عباس بالنون ، وهي قراءة السلمي وابن محيصن وقنبل ويعقوب على التعظيم ، أي نذيقهم عقوبة بعض ما عملوا .


[12526]:في ج، ك: " في الفقه".
[12527]:راجع ج 9 ص 245 فما بعد.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{ظَهَرَ ٱلۡفَسَادُ فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ بِمَا كَسَبَتۡ أَيۡدِي ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعۡضَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ} (41)

قوله تعالى : { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ( 41 ) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُم مُّشْرِكِينَ } .

المراد بالفساد ههنا القحط ونقص الزروع والثمرات وذهاب البركة . والمراد بالبر : الفيافي والفلوات أي المفاوز . أما البحر : فمعناه هنا الأمصار والأرياف والقرى ، والمعنى : استبان النقص في الزروع والخيرات والثمرات بسبب ما يقترفه الناس من الذنوب والمعاصي والظلم . فإن زوال النعمة والبركة عن العباد سببه المعاصي والخطايا . وهو قوله : { بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا } أي ليعاقبهم بنقص الأموال والأنفس والثمرات والأسقام وغير ذلك من وجوه المحن بسبب بعض ذنوبهم ومعاصيهم { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } أي لكي يبوءوا بآثامهم ويرجعوا إلى الله مبادرين بالتوبة ومجانبة المعاصي .