تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{قُمِ ٱلَّيۡلَ إِلَّا قَلِيلٗا} (2)

نداء إلهي

بسم الله الرحمان الرحيم

{ يا أيها المزّمل 1 قم الليل إلا قليلا 2 نصفه أو انقص منه قليلا 3 أو زد عليه ورتّل القرآن ترتيلا 4 إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا 5 إن ناشئة الليل هي أشدّ وطئا وأقوم قيلا 6 إن لك في النهار سبحا طويلا 7 واذكر اسم ربك وتبتّل إليه تبتيلا 8 رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا 9 }

المفردات :

المزمل : المتلفّف بثيابه ( النبي صلى الله عليه وسلم ) .

الليل : من غروب الشمس إلى طلوع الفجر .

نصفه وانقص منه قليلا : انقص من النصف قليلا إلى الثلث .

أو زد عليه : إلى الثلثين ، والمراد به التخيير بين قيام النصف ، والناقص منه ، والزائد عليه ، فهو صلى الله عليه وسلم مخيّر بين قيام ثلث الليل أو نصفه أو ثلثيه .

رتّل القرآن : اقرأه بتمهّل وتبيين حروف .

التفسير :

1 ، 2 ، 3 ، 4- يا أيها المزّمل* قل الليل إلا قليلا* نصفه أو انقص منه قليلا* أو زد عليه ورتّل القرآن ترتيلا .

أول ما بدئ به صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم ، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ، ثم حبب إليه الخلاء ، فكان يخلو في غار حراء ، يتعبد فيه الليالي ذوات العدد ، ثم يعود إلى خديجة فيتزود لمثلها ، حتى فجأه الوحي وهو في غار حراء ، حيث ضمّه الملك ضمّا شديدا حتى بلغ منه صلى الله عليه وسلم الجهد ، وأرسله فقال : اقرأ . قال صلى الله عليه وسلم : ما أنا بقارئ ، أي لا يعرف القراءة ، وتكرر ذلك ثلاث مرات .

ثم قال له : اقرأ باسم ربك الذي خلق . ( العلق : 1 ) .

وعاد صلى الله عليه وسلم إلى مكة فدخل على خديجة ، وأخبرها الخبر ، ثم قال : ( زمّلوني ، دثّروني ) . أي : غطوني ولفّوني في ثياب ، ليهدأ روعه صلى الله عليه وسلمi .

وسورة المزمّل هي السورة الرابعة في النزول ، سبقتها سورة العلق ، ثم ن ، ثم المدّثر ، ثم نزلت المزمّل .

يا أيها المزمل .

يا أيها المتلفف بثيابه .

وقيل : كان ذلك تذكيرا له باللحظة التي كان فيها بعد نزول الوحي أوّل مرة ، وناداه الله بذلك تأنيسا لقلبه ، وملاطفة له .

وقيل : يا أيها المزمّل بالنبوة ، والملتزم بالرسالة .

قم الليل إلا قليلا .

شمّر عن ساعد الجدّ ، واهجر المنام ، واستعدّ للقيام بين يدي الملك العلام ، إنها فترة الإعداد لتلقي الوحي ، والجهاد في سبيل تبليغ الرسالة ، وهذه المهمة تحتاج إلى تعبئة روحية ، وشدة اتصال بين المخلوق والخالق ، أي : استعدّ لقيام الليل ، إلا القليل منه تقضيه في النوم والراحة ، للاستعانة بذلك على تبليغ الرسالة .

نصفه أو انقص منه قليلا

أي : قم نصف الليل ، أو أقل من النصف قليلا ، وهو الثلث .

أو زد عليه ورتّل القرآن ترتيلا .

أو زد على النصف إلى الثلثين ، فخيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين قيام نصف الليل ، أو أقل منه قليلا وهو الثلث ، أو أزيد من النصف وهو الثلثان .

وقيل : خيّر بين قيام نصف الليل ، أو ربعه ، أو ثلاثة أرباعه ، والرأي الأوّل أولى .

ورتّل القرآن ترتيلا .

اقرأ القرآن في عناية وترتيل وتبيين ، وتجميل للصوت ، وأداء حسن ، فإن ذلك أعون على تبيّن المعاني ، وانشغال القلب مع اللسان .

روى الحاكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( زينوا القرآن بأصواتكم ) .

وروى البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم : ( ليس منا من لم يتغنّ بالقرآن )ii .

أي : يحسّن صوته ويجمّله ، ويهذّبه ويجوّده ، ليعظّم تأثير القرآن في قلوب سامعيه .

وروى البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي موسى الأشعري : ( لقد أعطيت مزمارا من مزامير آل داود ) . iii . فقال أبو موسى الأشعري : يا رسول الله ، لو كنت أعلم أنك تسمع لحبّرته لك تحبيرا .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قُمِ ٱلَّيۡلَ إِلَّا قَلِيلٗا} (2)

فأمره هنا بالعبادات المتعلقة به ، ثم أمره بالصبر على أذية أعدائه{[1259]} ، ثم أمره بالصدع بأمره ، وإعلان دعوتهم إلى الله ، فأمره هنا بأشرف العبادات ، وهي الصلاة ، وبآكد الأوقات وأفضلها ، وهو قيام الليل .

ومن رحمته تعالى ، أنه لم يأمره بقيام الليل كله ، بل قال : { قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا } .


[1259]:- في ب: على أذية قومه.
 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قُمِ ٱلَّيۡلَ إِلَّا قَلِيلٗا} (2)

{ قم الليل } أي للصلاة ، { إلا قليلاً } وكان قيام الليل فريضة في الابتداء .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{قُمِ ٱلَّيۡلَ إِلَّا قَلِيلٗا} (2)

{ قم الليل إلا قليلا } أي صل كل الليل إلا شيئا يسيرا تنام فيه وهو الثلث

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{قُمِ ٱلَّيۡلَ إِلَّا قَلِيلٗا} (2)

الرابعة- قوله تعالى : " قم الليل " قراءة العامة بكسر الميم لالتقاء الساكنين . وقرأ أبو السمال بضم الميم إتباعا لضمة القاف . وحكى الفتح لخفته . قال عثمان بن جني : الغرض بهذه الحركة التبليغ بها هربا من التقاء الساكنين ، فبأي حركة تحركت فقد وقع الغرض . وهو من الأفعال القاصرة غير المتعدية إلى مفعول ، فأما ظرف الزمان والمكان فسائغ فيه ، إلا أن ظرف المكان لا يتعدى إليه إلا بواسطة ، لا تقول : قمت الدار حتى تقول قمت وسط الدار وخارج الدار . وقد قيل : إن " قم " هنا معناه صل ، عبر به عنه واستعير له حتى صار عرفا بكثرة الاستعمال .

الخامسة- " الليل " حد الليل : من غروب الشمس إلى طلوع الفجر . وقد تقدم بيانه في سورة " البقرة " {[15500]} . واختلف : هل كان قيامه فرضا وحتما ، أو كان ندبا وحضا ؟ والدلائل تقوي أن قيامه كان حتما وفرضا ، وذلك أن الندب والحض لا يقع على بعض الليل دون بعض ؛ لأن قيامه ليس مخصوصا به وقتا دون وقت . وأيضا فقد جاء التوقيت بذلك عن عائشة وغيرها على ما يأتي . واختلف أيضا : هل كان فرضا على النبي صلى الله عليه وسلم وحده ، أو عليه وعلى من كان قبله من الأنبياء ، أو عليه وعلى أمته ؟ ثلاثة أقوال : الأول : قول سعيد بن جبير لتوجه الخطاب إليه خاصة . الثاني : قول ابن عباس ، قال : كان قيام الليل فريضة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى الأنبياء قبله . الثالث : قول عائشة وابن عباس أيضا وهو الصحيح ، كما في صحيح مسلم عن زرارة بن أوفى أن سعد بن هشام بن عامر أراد أن يغزو في سبيل الله . . . الحديث ، وفيه : فقلت لعائشة : أنبئيني عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالت : ألست تقرأ : " يا أيها المزمل " قلت : بلى ! قالت فإن الله عز وجل افترض قيام الليل في أول هذه السورة ، فقام صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولا ، وأمسك الله عز وجل خاتمتها اثني عشر شهرا في السماء ، حتى أنزل الله عز وجل في آخر هذه السورة التخفيف ، فصار قيام الليل تطوعا بعد فريضة . وذكر الحديث .

السابعة- وذكر وكيع ويعلى قالا : حدثنا مسعر عن سماك الحنفي قال : سمعت ابن عباس يقول لما أنزل أول " يا أيها المزمل " [ المزمل : 1 ] كانوا يقومون نحوا من قيامهم في شهر رمضان حتى نزل آخرها ، وكان بين أولها وآخرها نحو من سنة . وقال سعيد بن جبير : مكث النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عشر سنين يقومون الليل ، فنزل بعد عشر سنين : " إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل " [ المزمل : 20 ] فخفف الله عنهم .

السادسة- قوله تعالى : " إلا قليلا " استثناء من الليل ، أي صل الليل كله إلا يسيرا منه ؛ لأن قيام جميعه على الدوام غير ممكن ، فاستثنى منه القليل لراحة الجسد . والقليل من الشيء ما دون النصف ، فحكي عن وهب بن منبه أنه قال : القليل ما دون المعشار والسدس . وقال الكلبي ومقاتل : الثلث .


[15500]:راجع جـ 2 ص 192.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{قُمِ ٱلَّيۡلَ إِلَّا قَلِيلٗا} (2)

ثم خوطب بعد-{[69360]} ذلك بالنبي{[69361]} والرسول : { قم } أي في خدمتنا {[69362]}بحمل أعباء{[69363]} نبوتنا والازدمال بالاجتهاد في الاحتمال ، واترك التزمل فإنه مناف للقيام{[69364]} .

ولما كان الاجتهاد في الخدمة دالاًّ على غاية المحبة ، وكانت النية خيراً{[69365]} من العمل ، وكان الإنسان مجبولاً على الضعف ، وكان سبحانه لطيفاً بهذه الأمة تشريفاً لإمامها صلى الله عليه وسلم ، رضى منا سبحانه بصدق التوجه إلى العمل وجعل أجورنا أكثر من أعمالنا ، فجعل إحياء البعض إحياء للكل ، فأطلق اسم الكل وأراد البعض فقال : { الليل } أي الذي هو وقت الخلوة والخفية والستر ، فصل لنا {[69366]}في كل ليلة من هذا الجنس{[69367]} وقف بين يدينا{[69368]} بالمناجاة والأنس بما أنزلنا عليك من كلامنا{[69369]} فإنا نريد إظهارك وإعلاء قدرك في البر والبحر والسر والجهر ، وقيام الليل في الشرع معناه الصلاة فلذا لم يقيده ، وهي جامعة لأنواع الأعمال الظاهرة والباطنة ، وهي عمادها ، فذكرها دال على ما عداها .

ولما كان للبدن حظ في الراحة قال مستثنياً من الليل : { إلا قليلاً * } أي من كل ليلة ، ونودي هذا النداء لأنه-{[69370]} صلى الله عليه وسلم " لما جاءه الوحي بغار حراء رجع إلى خديجة زوجته رضي الله تعالى عنها يرجف فؤاده فقال : " زملوني زملوني ! لقد خشيت على نفسي " . فسألته رضي الله عنها عن حاله ، فلما قص عليها أمره -{[69371]} قال{[69372]} : " خشيت على نفسي " يعني أن يكون هذا مبادىء شعر أو كهانة ، وكل ذلك من الشياطين وأن يكون الذي ظهر له بالوحي ليس بملك ، وكان صلى الله عليه وسلم يبغض الشعر والكهانة غاية البغضة ، فقالت{[69373]} له وكانت وزيرة صدق{[69374]} : " كلا والله ! لا يخزيك الله أبداً ، إنك لتصل الرحم وتقري الضيف وتحمل الكل وتعين على نوائب الحق " ونحو هذا من المقال الذي يثبت ، وفائدة التزمل أن الشجاع الكامل إذا دهمه أمر هو فوق قواه ففرق أمره فرجع إلى نفسه ، وقصر بصره وبصيرته على حسه ، اجتمعت قواه إليه فقويت جبلته الصالحة على تلك العوارض التخييلية فهزمتها فرجع إلى أمر الجبلة العلية ، وزال ما عرض من العلة البدنية .

وقال الإمام أبو جعفر{[69375]} بن الزبير : لما كان ذكر إسلام الجن قد أحرز غاية انتهى مرماها{[69376]} وتم مقصدها ومبناها ، وهي الإعلام باستجابة هؤلاء وحرمان من كان أولى بالاستجابة ، وأقرب في ظاهر الأمر إلى الإنابة ، بعد تقدم وعيدهم وشديد تهديدهم ، صرف الكلام إلى أمره صلى الله عليه وسلم بما يلزمه من وظائف عبادته وما يلزمه{[69377]} في أذكاره من ليله ونهاره ، مفتتحاً{[69378]} ذلك بأجمل مكالمة وألطف مخاطبة{[69379]} { يا أيها المزمل } [ المزمل : 1 ] {[69380]}وكان ذلك{[69381]} تسلية له صلى الله عليه وسلم كما ورد

{ فلا تذهب نفسك عليهم حسرات }[ فاطر : 8 ] إلى آخره ، وليحصل منه الاكتراث بعناد من قدم عناده وكثرة لججه ، وأتبع ذلك بما يشهد لهذا الغرض ويعضده وهو قوله تعالى

{ فاصبر صبراً جميلاً }[ المعارج : 5 ]

{ واصبر على ما يقولون واهجرهم هجراً جميلاً وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلاً }[ المزمل : 10 - 11 ] وهذا عين الوارد في قوله تعالى :

{ فلا تذهب نفسك عليهم حسرات }[ فاطر : 8 ] وفي قوله

{ نحن أعلم بما يقولون وما أنت عليهم بجبار }[ ق : 45 ] ثم قال :

{ إن لدينا أنكالاً }[ المزمل : 12 ] فذكر ما أعد لهم ، وإذا تأملت هذه الآي وجدتها قاطعة بما قدمناه ، وبان لك التحام ما ذكره ، ثم رجع الكلام إلى التلطف به عليه الصلاة والسلام وبأصحابه - رضي الله عنهم أجمعين - وأجزل جزاءهم مع وقوع{[69382]} التقصير ممن يصح منه تعظيم المعبود الحق جل جلاله

( علم أن لن تحصوه فتاب عليكم{[69383]} فاقرؤوا ما تيسر من القرآن }[ المزمل : 20 ] ثم ختم السورة بالاستغفار من كل ما تقدم من عناد الجاحدين المقدم ذكرهم فيما قبل من السور{[69384]} إلى ما لا يفي العباد المستجيبون به مما أشار إليه قوله تعالى :

{ علم أن لن تحصوه }[ المزمل : 20 ] انتهى .


[69360]:زيد من ظ و م.
[69361]:من م، وفي الأصل و ظ: بالنبوة.
[69362]:من ظ و م، وفي الأصل: بأعباء.
[69363]:من ظ و م، وفي الأصل: بأعباء.
[69364]:من م، وفي الأصل و ظ: في القيام.
[69365]:من ظ و م، وفي الأصل: خير.
[69366]:من ظ و م، وفي الأصل: من هذا الجنس في كل ليلة.
[69367]:من ظ و م، وفي الأصل: من هذا الجنس في كل ليلة.
[69368]:من ظ و م، وفي الأصل: أيدينا.
[69369]:من ظ و م، وفي الأصل: كرمنا.
[69370]:زيد من ظ و م.
[69371]:زيد من ظ و م.
[69372]:من ظ، وفي الأصل و م: وقال.
[69373]:من ظ و م، وفي الأصل: فقال.
[69374]:من ظ و م، وفي الأصل: صديقة.
[69375]:العبارة من هنا إلى "هي الأعلام" ساقطة من ظ.
[69376]:من م، وفي الأصل: مرامها.
[69377]:من ظ و م، وفي الأصل: يلزم.
[69378]:من ظ و م، وفي الأصل: مفتحتا.
[69379]:من ظ و م، وفي الأصل: مخاطبته.
[69380]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م.
[69381]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م.
[69382]:من ظ و م، وفي الأصل: وجوب.
[69383]:زيد في الأصول: إلى قوله.
[69384]:من ظ و م، وفي الأصل: السورة.