وهو مكة المكرمة ، وأمين بمعنى آمن ، حيث يأمن الإنسان على نفسه وماله وعرضه ، فقد حرّم فيه العدوان ، حتى لو وجد الإنسان قاتل أبيه في مكة فلا يحل له أن يقتله .
قال تعالى : أو لم يروا أنّا جعلنا حرما آمنا ويتخطّف الناس من حولهم . . . ( العنكبوت : 67 ) .
وقد سمى الله مكة بكة ، وسماها أمّ القرى ، وسماها حرما آمنا ، وجعلها قبلة المسلمين إلى يوم الدين ، وبها المسجد الحرام ، والكعبة المشرفة ، وبها ولد محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم هاجر منها ، وعاد إليها فاتحا منتصرا ، ثم أنزل الله عليه : اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا . . . ( المائدة : 3 ) .
والمعنى : وأقسم بهذا البلد الذي جعله الله مثابة للناس وأمنا ، والذي ولد فيه محمد صلى الله عليه وسلم ، ونزل الوحي عليه صلى الله عليه وسلم في هذا البلد أول مرة بغار حراء ، ثم تتابع الوحي وكملت شريعة الإسلام .
كما قال تعالى : لا أقسم بهذا البلد* وأنت حل بهذا البلد . ( البلد : 1 ، 2 ) .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
يعني مكة يأمن فيه كل خائف ، وكل أحد في الجاهلية والإسلام ...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وهذا البلد الآمن من أعدائه أن يحاربوا أهله ، أو يغزوهم . وقيل : الأمين ، ومعناه : الآمن ....وإنما عُنِي بقوله : "وَهَذَا الْبَلَدِ الأمِينِ" : مكة . ...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
والبلد : مكة حماها الله . والأمين : من أمن الرجل أمانة فهو أمين . وقيل : أمان ... وأمانته : أن يحفظ من دخله كما يحفظ الأمين ما يؤتمن عليه... ومعنى القسم بهذه الأشياء : الإبانة عن شرف البقاع المباركة وما ظهر فيها من الخير والبركة بسكنى الأنبياء والصالحين؛ فمنبت التين والزيتون مهاجر إبراهيم ومولد عيسى ومنشؤه ، والطور : المكان الذي نودي منه موسى . ومكة : مكان البيت الذي هو هدى للعالمين ، ومولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومبعثه ...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والإشارة إليه للتعظيم، ولأن نزول السورة في ذلك البلد فهو حاضر بمرأى ومسمع من المخاطبين نظير قوله : { لا أقسم بهذا البلد }. وعلى ما تقدم ذكره من المحملين الثانيين للتين والزيتون تتم المناسبة بين الأيمان وتكون إشارة إلى موارد أعظم الشرائع الواردة للبشر ، فالتين إيماء إلى رسالة نوح وهي أول شريعة لِرسولٍ ، والزيتون إيماء إلى شريعة إبراهيم فإنه بنى المسجد الأقصى كما ورد في الحديث وقد تقدم في أول الإِسراء ، و { طور سينين } إيماء إلى شريعة التوراة ، و { البلد الأمين } إيماء إلى مهبط شريعة الإِسلام ، ولم يقع إيماء إلى شريعة عيسى لأنها تكملة لشريعة التوراة . وقد يكون الزيتون على تأويله بالمكان وبأنه المسجد الأقصى إيماء إلى مكان ظهور شريعة عيسى عليه السلام... ويكون قوله : { وهذا البلد الأمين } إيماء إلى شريعة إبراهيم وشريعة الإِسلام فإن الإِسلام جاء على أصول الحنيفية وبذلك يكون إيماءُ هذه الآية ما صرح به في قوله تعالى : { شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى } [ الشورى : 13 ]...
وفي ابتداء السورة بالقَسَم بما يشمل إرادة مهابط أشهر الأديان الإلهية براعةُ استهلال لغرض السورة وهو أن الله خلق الإنسان في أحسن تقويم ، أي خلقه على الفطرة السليمة مدركاً لأدلة وجود الخالق ووحدانيته . وفيه إيماء إلى أن ما خالف ذلك من النحل والملل قد حاد عن أصول شرائع الله كلها بقطع النظر عن اختلافها في الفروع ....
وأشار سبحانه وتعالى إلى الأخيرين من أولاد إبراهيم عليه الصلاة والسلام ختاماً للقسم بأكمل المقسم به كما جعل المنزل عليه ذلك الذي هو ختام الرسل أكمل النوع المقسم لأجله ، ليكون في البدء بما يرد بعد حسن التقويم إلى الفساد والختم بما هو أشرف المذكورين بكل اعتبار طباق حاز أعلى الأسرار : { وهذا البلد } أي مكة ، صرح هنا بهذين المكانين ترشيحاً لأن المراد بالأولين مواضع نبتهما مع تلك الإشارة اللطيفة بذكر اسميهما إلى مناسبتهما للمقسم من أجله { الأمين * } أي الذي يأمن فيه من حل به من البشر والطير والوحش ، فكان بذلك كالرجل الأمين الذي يأتمنه آخر على نفسه وما يعز عليه فيؤديه إليه ويوقره عليه ، وأمانته شاملة لكل ما يخشى حتى الفقر والعيلة والجوع وتغير الدين بعد تقرره مع أن به البيت الذي جعله الله هدى للعالمين وقياماً للناس ، فهو مدار الدين والدنيا ، وكان به من الأسرار بالوحي وآثاره ما لم يكن في بلد من البلاد ، وذلك إشارة إلى أنه تعالى كما جعل النبي المبعوث منه في آخر الزمان في أحسن تقويم جعله في أحسن تقويم البلدان ، إذ كان آمنا من غير ملك مرهوب - والناس يتخطفون من حوله ، وهو محل الأنس بالناس كما أن الذي قبله محل الأنس بالانفراد ، وهو مجمع المرافق ومعدن المنافع ومحل ذوي الوجاهة ديناً ودنيا ، ومحل الرفعة والمناصب مع ما حازه المكانان من تنزل الكتب السماوية وإشراق الأنوار الإلهية الدينية فيهما ، وفي ذلك تخويف لهم بأنهم إن لم يرجعوا عن غيهم أخافه إخافة لم يخفها بلداً من بلاد العرب ، فيكونون بذلك قد ردوا أسفل سافلين في البلد ، كما ردوا في الأخلاق بالشقاق واللدد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.