تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡۚ هَلۡ مِنۡ خَٰلِقٍ غَيۡرُ ٱللَّهِ يَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِۚ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ} (3)

1

{ يأيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى يؤفكون }

المفردات :

لا إله إلا هو : لا معبود بحق إلا هو إذا فاعبدوه ووحدوه

فأنى تؤفكون : فكيف تصرفون عن عبادة الله تعالى وحده

التفسير :

نداء من العلي الكبير لأهل مكة ، والناس أجمعين يلفتهم إلى إحياء قلوبهم بتذكر رحمة الله تعالى في إرسال النعم والخيرات والأرزاق والأمطار من السماء والنبات والأرزاق من الأرض بالزراعة والصناعة والتجارة وأنواع الحرف وألوان الكسب .

والاستفهام هنا للتقرير جوابه لا أحد غير الله يملك هذا الرزق سبحانه لا إله سواه فكيف تصرفون عن هذه الحقيقة وكيف تمتنعون عن توحيده والإيمان بما جاء به رسوله .

والآيات الثلاث السابقة كلها تأكيد لفيض الرحمة والنعمة والعظمة من الله وإذا استقر ذلك في القلب دفع صاحبه إلى السعادة والرضا واليقين وقريب من هذا المعنى قوله سبحانه في أوائل سورة ’آل عمران : قل اللهم مالك الملك نؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير . ( آل عمران : 26 ) .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡۚ هَلۡ مِنۡ خَٰلِقٍ غَيۡرُ ٱللَّهِ يَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِۚ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ} (3)

{ 3 - 4 } { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ * وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ }

يأمر تعالى ، جميع الناس أن يذكروا نعمته عليهم ، وهذا شامل لذكرها بالقلب اعترافا ، وباللسان ثناء ، وبالجوارح انقيادا ، فإن ذكر نعمه تعالى داع لشكره ، ثم نبههم على أصول النعم ، وهي الخلق والرزق ، فقال : { هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ }

ولما كان من المعلوم أنه ليس أحد يخلق ويرزق إلا اللّه ، نتج من ذلك ، أن كان ذلك دليلا على ألوهيته وعبوديته ، ولهذا قال : { لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ } أي : تصرفون عن عبادة الخالق الرازق لعبادة المخلوق المرزوق .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡۚ هَلۡ مِنۡ خَٰلِقٍ غَيۡرُ ٱللَّهِ يَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِۚ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ} (3)

قوله تعالى : " يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم " معنى هذا الذكر الشكر . " هل من خالق غير الله " يجوز في " غير " {[13098]} الرفع والنصب والخفض ، فالرفع من وجهين : أحدهما : بمعنى هل من خالق إلا الله . بمعنى ما خالق إلا الله . والوجه الثاني : أن يكون نعتا على الموضع ؛ لأن المعنى : هل خالق غير الله ، و " من " زائدة . والنصب على الاستثناء . والخفض ، على اللفظ . قال حميد الطويل : قلت للحسن : من خلق الشر ؟ فقال سبحان الله ! هل من خالق غير الله جل وعز ، خلق الخير والشر . وقرأ حمزة والكسائي : " هل من خالق غير الله " بالخفض . الباقون بالرفع . " يرزقكم من السماء " أي المطر . " والأرض " أي النبات . " لا إله إلا هو فأنى تؤفكون " من الإفك ( بالفتح ) وهو الصرف . يقال : ما أفكك عن كذا ، أي ما صرفك عنه . وقيل : من الإفك ( بالكسر ) وهو الكذب ، ويرجع هذا أيضا إلى ما تقدم ؛ لأنه قول مصروف عن الصدق والصواب ، أي من أين يقع لكم التكذيب بتوحيد الله . والآية حجة على القدرية ؛ لأنه نفى خالقا غير الله وهم يثبتون معه خالقين ، على ما تقدم في غير موضع .


[13098]:في ش، و ك." يجوز في القرآن الرفع..." الخ وفي ح:" في غير القرآن".
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡۚ هَلۡ مِنۡ خَٰلِقٍ غَيۡرُ ٱللَّهِ يَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِۚ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ} (3)

ولما بيّن بما يشاهده كل أحد في نفسه أنه المنعم وحده . أمر بذكر نعمته بالاعتراف أنها منه ، فإن الذكر يقود إلى الشكر ، وهو قيد الموجود وصيد المعدوم المفقود ، فقال : { يا أيها الناس } أي الذين فيهم أهلية الاضطراب عامة { اذكروا } بالقلب واللسان { نعمت الله } أي الذي لا منعم في الحقيقة سواه ، ولما كانت نعمه عامة غامرة من كل جانب قال : { عليكم } أي في دفع ما دفع من المحن ، وصنع ما صنع من المنن ، على ما تقدم في الفتح والإمساك لتشكروه ولا تكفروه ، والذي يخص أهل مكة بعد ما شاركوا به الناس - إسكانهم الحرم ، وحفظهم من جميع الأمم ، وتشريفهم بالبيت ، وذلك موجب لأن يكونوا أشكر الناس .

ولما أمر بذكر نعمته ، أكد التعريف بأنها منه وحده على وجه بين عزته وحكمته ، فقال منبهاً لمن غفل ، وموبخاً لمن جحد ، وراداً على أهل القدر الذين ادعوا أنهم يخلقون أفعالهم ، ومنبهاً على نعمة الإيجاد الأول : { هل } ولما كان الاستفهام بمعنى النفي أكده ب { من } فقال : { من خالق } أي للنعم وغيرها ، ولما كانت { من } للتأكيد ، فكان { خالق } في موضع رفع ، قرأ الجمهور قوله : { غير الله } بالرفع ، وجره حمزة والكسائي على اللفظ ، وعبر بالجلالة إشارة إلى أنه المختص بصفات الكمال .

ولما كان الجواب قطعاً : لا ، بل هو الخالق وحده ، قال منبهاً على نعمة الإبقاء الأول : { يرزقكم } أي وحده . ولما كانت كثرة الرزق كما هو مشاهد مع وحدة المنبع أدل على العظمة قال : { من السماء والأرض } بالمطر والنبات وغيرهما . ولما بين أنه الرزاق وحده انقطع أمل كل أحد من غيره حتى من نفسه فحصل الإخلاص فتعين أنه سبحانه الإله وحده فقال : { لا إله إلا هو } فتسبب الإنكار على من عبد غيره ظاهراً أو باطناً فقال : { فأنى } أي فمن أيّ وجه وكيف { تؤفكون * } أي تصرفون وتقلبون عن وجه السداد في التوحيد بهذه الوجوه الظاهرة إلى الشرك الذي لا وجه له .