تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ ءَاذَوۡاْ مُوسَىٰ فَبَرَّأَهُ ٱللَّهُ مِمَّا قَالُواْۚ وَكَانَ عِندَ ٱللَّهِ وَجِيهٗا} (69)

{ يأيها الذين ءامنوا لا تكونوا كالذين ءاذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها( 69 ) يأيها الذين ءامنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا( 70 ) يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما( 71 ) }

التفسير :

{ يأيها الذين ءامنوا لا تكونوا كالذين ءاذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها } .

هذه تربية للمؤمنين نحو نبيهم أن يحترموه ويعزروه ويوقروه وألا ينسبوا إليه ما لا يليق كقول بعض المنافقين إن محمدا تزوج مطلقة ابنه ، وشغبوا عليه في ذلك بحثا عن أي نقطة ينفذون منها إلى إنقاصه .

وفي الصحيح أن بعض الأعراب قال للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يوزع الغنائم هذه قسمة ما أريد بها وجه الله اعدل ، فتمعر وجه النبي صلى الله عليه وسلم وقال للأعرابي " ويحك فمن يعدل إن لم أعدل " ثم قال صلى الله عليه وسلم : " يرحم الله أخي موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر " . 74

وقد أفاد القرآن الكريم أن بني إسرائيل كثر عنتهم فقالوا لموسى : { أرنا الله جهرة . . . } ( النساء : 153 ) .

وقالوا : { اجعل لنا إلها كما لهم ءالهة . . . } ( الأعراف : 138 ) .

وقالوا : { فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون . . . } ( المائدة : 24 ) .

وأفادت كتب الصحيح مما رواه الإمام البخاري والترمذي أن بني إسرائيل اتهموا موسى بأن في جلده برصا أو به أدرة ، أي كثير الخصبة ، وأنه لذلك يستتر بعيدا عنهم عند الاستحمام وأن موسى اغتسل يوما ووضع ثوبه على حجر فطار الحجر بثوبه فسار موسى وراء الحجر يقول ثوبي حجر ثوبي حجر فرآه جمع من بني إسرائيل فرأوه عريانا أحسن ما خلق الله " . 75

وقد أفاد الفخر الرازي وغيره من المفسرين أن بني إسرائيل أشاعوا عن موسى النقائص فنسبوا إليه السحر والجنون ولطخوه بالزنا و أشاعوا عنه أنه قتل أخاه هارون وكان هارون قد مات فدفنه في سيناء وعاد وحيدا .

وقد أظهر الله براءة موسى من كل هذه التهم والأكاذيب وقد حباه الله بالفضل حين رعاه وصنعه على عينه ونجاه من اليم ومن فرعون وملئه وأعطاه الرسالة وناداه من جانب الطور الأيمن وجعل له سلطانا وحفظه من أذى فرعون وجعله الله من أولى العزم من الرسل ورفع منزلته وأعطاه التوراة وجعله وجيها ذا وجاهة وشرف وسيرة حسنة .

ومقصود الآية نهي المسلمين عن إيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم ، فالله تعالى مدح رسوله وبوأه المنازل العالية والابتعاد عن التشبيه بقوم موسى الذين آذوه ، وقد برأه الله من التهم التي نسبت إليه وكان موسى وجيها عالي القدر والمنزلة عند الله تعالى .

قال تعالى : { واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا وكان رسولا نبيا وناديناه من جانب الطور الأيمان وقربناه نجيا ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا } . ( مريم : 51-53 ) .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ ءَاذَوۡاْ مُوسَىٰ فَبَرَّأَهُ ٱللَّهُ مِمَّا قَالُواْۚ وَكَانَ عِندَ ٱللَّهِ وَجِيهٗا} (69)

{ 69 } { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا }

يحذر تعالى عباده المؤمنين عن أذية رسولهم ، محمد صلى اللّه عليه وسلم ، النبي الكريم ، الرءوف الرحيم ، فيقابلوه بضد ما يجب له من الإكرام والاحترام ، وأن لا يتشبهوا بحال الذين آذوا موسى بن عمران ، كليم الرحمن ، فبرأه اللّه مما قالوا من الأذية ، أي : أظهر اللّه لهم براءته . والحال أنه عليه الصلاة والسلام ، ليس محل التهمة والأذية ، فإنه كان وجيها عند اللّه ، مقربًا لديه ، من خواص المرسلين ، ومن عباده المخلصين ، فلم يزجرهم ما له ، من الفضائل عن أذيته والتعرض له بما يكره ، فاحذروا أيها المؤمنون ، أن تتشبهوا بهم في ذلك ، والأذية المشار إليها هي قول بني إسرائيل لموسى{[731]}  لما رأوا شدة حيائه وتستره عنهم : " إنه ما يمنعه من ذلك إلا أنه آدر " أي : كبير الخصيتين ، واشتهر ذلك عندهم ، فأراد الله أن يبرئه منهم ، فاغتسل يومًا ، ووضع ثوبه على حجر ، ففر الحجر بثوبه ، فأهوى موسى عليه السلام في طلبه ، فمر به على مجالس بني إسرائيل ، فرأوه أحسن خلق اللّه ، فزال عنه ما رموه به .


[731]:- في ب: عن موسى.