تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{قُلۡ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡكَٰفِرُونَ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة الكافرون

أهداف سورة الكافرون

( سورة الكافرون مكية ، وآياتها 6 آيات ، نزلت بعد سورة الماعون )

وهي سورة تصدح بالحقيقة ، وترفض أنصاف الحلول ، وتعلن أن الإسلام إسلام ، وأن الكفر كفر ، ولن يلتقيا .

أسباب النزول .

روي أن الوليد بن المغيرة ، والعاص بن وائل السهمي ، والأسود بن عبد المطلب ، وأمية بن خلف في جماعة آخرين من صناديد قريش وساداتهم ، أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا له : هلمّ يا محمد فاتبع ديننا ونتبع دينك ، ونشركك في أمرنا كله ، تعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة ، فإن كان الذي جئت به خيرا كنا قد شاركناك فيه وأخذنا حظا منه ، وإن كان الذي يأيدينا خيرا كنت قد شاركتنا في أمرنا ، وأخذت حظك منه . فقال : ( معاذ الله أن نشرك به غيره ) ، وأنزل الله ردا على هؤلاء هذه السورة ، فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الحرام ، وفيه الملأ من قريش ، فقام على رؤوسهم ، ثم قرأ عليهم حتى فرغ من السورة فيئسوا منه ، وآذوه وصحبه ، حتى اضطر إلى الهجرة إلى المدينةi .

فكرة السورة

لم يكن العرب يجحدون الله ، ولكن كانوا لا يعرفونه بحقيقته التي وصف بها نفسه ، وهي أحد فرد صمد ، فكانوا يشركون به ، ولا يعبدونه حق عبادته ، كانوا يشركون به هذه الأصنام التي يرمزون بها إلى أسلافهم من الصالحين أو العظماء ، أو يرمزون بها إلى الملائكة ، ويقولون : ما نعبدهم إلا ليقرّبونا إلى الله زلفى . . . ( الزمر : 3 ) .

وكانوا يعتقدون أنهم على دين إبراهيم ، وأنهم أهدى من أهل الكتاب الذين كانوا يعيشون معهم في الجزيرة .

ولحسم هذه الشبهات نزلت هذه السورة بهذا الجزم ، وبهذا التوكيد ، توضح أنهم كافرون مشركون ، قد نبذوا التوحيد ، وخرجوا عن جادة الصواب ، فلن يعبد النبي صلى الله عليه وسلم ما يعبدون من أصنام وأوثان .

قال تعالى : قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون . ( الزمر : 64 ) .

مع آيات السورة

1- قل يا أيها الكافرون . قال لهم : يا أيها الكافرون ، ناداهم باسمهم وحقيقتهم ، ووصفهم بوصفهم ، إنهم ليسوا على دين وليسوا بمؤمنين ، وإنما هم كافرون .

2- لا أعبد ما تعبدون . فعبادتي غير عبادتكم ، ومعبودي معبودكم ، وأنا لا أعبد أصنامكم ، ولا أسجد لآلهتكم ، وإنما أعبد إلها واحدا منزها عن النظير والمثيل : ليس كمثله شيء وهو السميع البصير . ( الشورى : 11 )

3- ولا أنتم عابدون ما أعبد . وإنكم لكاذبون في دعواكم أنكم تعبدون الله ، لأن الذي تزعمونه ربا تتخذون له الشفعاء ، وتجعلون له زوجة من الجن تلد له الملائكةii ، وتنسبون إليه ما يتنزه عنه الله . فهذا الذي تعبدونه لن يكون إلها مستحقا للعبادة .

4- ولا أنا عابد ما عبدتم . تكرير وتوكيد للفقرة الأولى في صيغة الجملة الاسمية ، وهي أدل على ثبات الصفة واستمرارها ، وقد كرّر نفي عبادته آلهتهم قطعا لأطماعهم وتيئيسا لهم .

5- ولا أنتم عابدون ما أعبد . تكرار الفقرة الثانية ، كي لا تبقى مظنة ولا شبهة ، ولا مجال لمظنة أو شبهة بعد هذا التوكيد المكرر ، بكل وسائل التكرار والتوكيد .

قال أبو مسلم الأصفهاني : معناه : لا أنا عابد عبادتكم ، ولا أنتم عابدون عبادتي .

وخلاصة ما سلف : الاختلاف التام في المعبود ، والاختلاف البيّن في العبادة ، فلا معبودنا واحد ، ولا عبادتنا واحدة ، إن عبادتي خالصة لله وحده ، وعبادتكم مشوبة بالشرك ، مصحوبة بالغفلة عن الله تعالى ، فلا تسمى على الحقيقة عبادة .

6- لكم دينكم ولي دين .

لكم دينكم . مختص بكم لا يتعداكم إليّ ، فلا تظنوا أنى عليه أو على شيء منه .

ولي دين . أي : ديني هو دين خاص بي ، وهو الذي أدعو إليه ، ولا مشاركة بينه وبين ما أنتم عليه .

مقاصد السورة

1- إن التوحيد منهج والشرك منهج آخر ولا يلتقيان .

2- المؤمن لا يسجد للصنم ، ولا يعبد ما يعبده الكافر .

3- الكافر لا يعبد الله ، بل ضلّ طريقه إلى عبادته .

4- المؤمن واضح صادق فلن يعبد عبادة الكافر ، كما أن الكافر لا يعبد عبادة المؤمن .

5- سيلقى المؤمن ثوابه ، وسيلقى الكافر جزاءه .

بسم الله الرحمان الرحيم

{ قل يا أيها الكافرون 1 لا أعبد ما تعبدون 2 ولا أنتم عابدون ما أعبد 3 ولا أنا عابد ما عبدتم 4 ولا أنتم عابدون ما أعبد 5 لكم دينكم ولي دين 6 }

التفسير :

1- قل يا أيها الكافرون .

هي في الأصل نداء لكفار مكة ، لكنها عامة ، أي : يا محمد ، يا صاحب رسالة الإسلام ، إنك مكلّف أن تقول في كلمة التوحيد : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وهؤلاء يعبدون الأصنام والأوثان ، ويجعلونها شفعاء لله ، والله تعالى واحد أحد ، منزه عن الصاحبة والولد ، وعن الشريك والمثيل ، من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه . . . ( البقرة : 255 ) .

لذلك أعلنها النبي صلى الله عليه وسلم ، وبيّن أنهم كافرون بالله ، وعبادتهم للأصنام تخرجهم من الإيمان ، أي : قل يا محمد لهم : يا أيها الكافرون بالله الواحد الأحد .

   
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{قُلۡ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡكَٰفِرُونَ} (1)

مقدمة السورة:

وهي مكية في قول ابن مسعود والحسن وعكرمة . ومدنية في أحد قولي ابن عباس وقتادة والضحاك . وهي ست آيات .

وفي الترمذي من حديث أنس : أنها تعدل ثلث القرآن . وفي كتاب ( الرد لأبي بكر الأنباري ) : أخبرنا عبد الله بن ناجية قال : حدثنا يوسف قال : حدثنا القعنبي وأبو نعيم ، عن موسى بن وردان ، عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ( قل يا أيها الكافرون ) تعدل ربع القرآن " . ورواه موقوفا عن أنس . وخرج الحافظ أبو محمد عبد الغني بن سعيد عن ابن عمر قال : صلى النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه صلاة الفجر في سفر ، فقرأ " قل يأيها الكافرون " . و " قل هو الله أحد " ، ثم قال : " قرأت بكم ثلث القرآن وربعه " . وروى جبير بن مطعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أتحب يا جبير إذا خرجت سفرا أن تكون من أمثل أصحابك هيئة وأكثرهم زادا " ؟ قلت : نعم . قال : " فاقرأ هذه السور الخمس من أول " قل يا أيها الكافرون " [ الكافرون : 1 ] إلى - " قل أعوذ برب الناس " [ الناس : 1 ] وافتتح قراءتك ببسم الله الرحمن الرحيم " . قال : فوالله لقد كنت غير كثير المال ، إذا سافرت أكون أبذهم{[1]} هيئة ، وأقلهم زادا ، فمذ قرأتهن صرت من أحسنهم هيئة ، وأكثرهم زادا ، حتى أرجع من سفري ذلك . وقال فروة بن نوفل الأشجعي : قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم : أوصني قال : " أقرأ عند منامك " قل يا أيها الكافرون " فإنها براءة من الشرك " . خرجه أبو بكر الأنباري وغيره . وقال ابن عباس : ليس في القرآن أشد غيظا لإبليس منها ؛ لأنها توحيد وبراءة من الشرك . وقال الأصمعي : كان يقال " لقل يأيها الكافرون " ، و " قل هو الله أحد " المقشقشتان ، أي أنهما تبرئان من النفاق . وقال أبو عبيدة : كما يقشقش الهناء{[2]} الجرب فيبرئه . وقال ابن السكيت : يقال للقرح والجدري إذا يبس وتقرف ، وللجرب في الإبل إذا قفل{[3]} : قد توسَّف جلده ، وتوسف جلده ، وتقشقش جلده .

ذكر ابن إسحاق وغيره عن ابن عباس : أن سبب نزولها أن الوليد بن المغيرة ، والعاص بن وائل ، والأسود بن عبدالمطلب ، وأمية بن خلف ، لقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا محمد ، هلم فلنعبد ما تعبد ، وتعبد ما نعبد ، ونشترك نحن وأنت في أمرنا كله ، فإن كان الذي جئت به خيرا مما بأيدينا ، كنا قد شاركناك فيه ، وأخذنا بحظنا منه . وإن كان الذي بأيدينا خيرا مما بيدك ، كنت قد شركتنا في أمرنا ، وأخذت بحظك منه ، فأنزل الله عز وجل " قل يا أيها الكافرون " .

وقال أبو صالح عن ابن عباس : أنهم قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : لو استلمت{[16507]} بعض هذه الآلهة لصدقناك ، فنزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم بهذه السورة فيئسوا منه ، وآذوه ، وآذوا أصحابه . والألف واللام ترجع إلى معنى المعهود ، وإن كانت للجنس ، من حيث إنها كانت صفة لأي ؛ لأنها مخاطبة لمن سبق في علم الله تعالى أنه سيموت على كفره ، فهي من الخصوص الذي جاء بلفظ العموم . ونحوه عن الماوردي : نزلت جوابا ، وعني بالكافرين قوما معينين ، لا جميع الكافرين ؛ لأن منهم من آمن ، فعبد الله ، ومنهم من مات أو قتل على كفره ، وهم المخاطبون بهذا القول ، وهم المذكورون . قال أبو بكر بن الأنباري : وقرأ من طعن في القرآن : قل للذين كفروا { لا أعبد ما تعبدون } وزعم أن ذلك هو الصواب ، وذلك افتراء على رب العالمين ، وتضعيف لمعنى هذه السورة ، وإبطال ما قصده الله من أن يذل نبيه للمشركين بخطابه إياهم بهذا الخطاب الزريّ ، وإلزامهم ما يأنف منه كل ذي لب وحجا . وذلك أن الذي يدعيه من اللفظ الباطل ، قراءتنا تشتمل عليه في المعنى ، وتزيد تأويلا ليس عندهم في باطلهم وتحريفهم . فمعنى قراءتنا : قل للذين كفروا : يأيها الكافرون ، دليل صحة هذا : أن العربي إذا قال لمخاطبه : قل لزيد : أقبل إلينا ، فمعناه : قل لزيد : يا زيد أقبل إلينا . فقد وقعت قراءتنا على كل ما عندهم ، وسقط من باطلهم أحسن لفظ وأبلغ معنى ؛ إذ كان الرسول عليه السلام يعتمدهم في ناديهم ، فيقول لهم : " يأيها الكافرون " . وهو يعلم أنهم يغضبون من أن ينسبوا إلى الكفر ، ويدخلوا في جملة أهله إلا وهو محروس ممنوع من أن تنبسط عليه منهم يد ، أو تقع به من جهتهم أذية . فمن لم يقرأ { قل يأيها الكافرون } كما أنزلها الله ، أسقط آية لرسول الله صلى الله عليه وسلم . وسبيل أهل الإسلام ألا يسارعوا إلى مثلها ، ولا يعتمدوا نبيهم باختزال الفضائل عنه ، التي منحه الله إياها ، وشرفه بها .

وأما وجه التكرار فقد قيل : إنه للتأكيد في قطع أطماعهم ، كما تقول : والله لا أفعل كذا ، ثم والله لا أفعله . قال أكثر أهل المعاني : نزل القرآن بلسان العرب ، ومن مذاهبهم التكرار إرادة التأكيد والإفهام ، كما أن من مذاهبهم الاختصار إرادة التخفيف والإيجاز ؛ لأن خروج الخطيب والمتكلم من شيء إلى شيء أولى من اقتصاره في المقام على شيء واحد ، قال الله تعالى : { فبأي آلاء ربكما تكذبان } [ الرحمن : 13 ] . { ويل يومئذ للمكذبين } [ المطففين : 10 ] . { كلا سيعلمون ، ثم كلا سيعلمون }[ النبأ : 4 - 5 ] . و{ فإن مع العسر يسرا . إن مع العسر يسرا }[ الشرح :5 - 6 ] . كل هذا على التأكيد . وقد يقول القائل : ارم ارم ، اعجل اعجل ، ومنه قوله عليه السلام في الحديث الصحيح : " فلا آذن ، ثم لا آذن ، إنما فاطمة بضعة مني " . خرجه مسلم{[16508]} . وقال الشاعر :

هلا سألتَ جموعَ كندَةَ *** يوم وَلَّوْا أينَ أيْنَا

وقال آخر :

يا لَبَكْرٍ أَنْشِرُوا لِي كُلَيْبًا *** يا لبكرٍ أينَ أينَ الفِرَارُ{[16509]}

وقال آخر :

يا علقمهْ يا علقمهْ يا علقمهْ *** خيرَ تميم كلِّها وأكْرَمَهْ

وقال آخر :

يا أقرعُ بن حابس يا أقرعُ *** إنك إن يصرع أخوك تُصْرَعُ{[16510]}

وقال آخر :

ألا يا اسلمي ثم اسلمي *** ثلاثَ تحياتٍ وإن لم تَكَلَّمِ

ومثله كثير . وقيل : هذا على مطابقة قولهم : تعبد آلهتنا ونعبد إلهك ، ثم تعبد آلهتنا ونعبد إلهك ، ثم تعبد آلهتنا ونعبد إلهك ، فنجري على هذا أبدا سنة وسنة . فأجيبوا عن كل ما قالوه بضده ، أي إن هذا لا يكون أبدا . قال ابن عباس : قالت قريش للنبي صلى الله عليه وسلم : نحن نعطيك من المال ما تكون به أغنى رجل بمكة ، ونزوجك من شئت ، ونطأ عقبك ، أي نمشي خلفك ، وتكف عن شتم آلهتنا ، فإن لم تفعل فنحن نعرض عليك خصلة واحدة هي لنا ولك صلاح : تعبد آلهتنا اللات والعزى سنة ، ونحن نعبد إلهك سنة{[16511]} ، فنزلت السورة . فكان التكرار في { لا أعبد ما تعبدون } ؛ لأن القوم كرروا عليه مقالهم مرة بعد مرة . والله أعلم . وقيل : إنما كرر بمعنى التغليظ . وقيل : أي { لا أعبد } الساعة { ما تعبدون . ولا أنتم عابدون } الساعة { ما أعبد } . ثم قال : { ولا أنا عابد } في المستقبل { ما عبدتم . ولا أنتم{ في المستقبل { عابدون ما أعبد } . قاله الأخفش والمبرد . وقيل : إنهم كانوا يعبدون الأوثان ، فإذا ملوا وثنا ، وسئموا العبادة له ، رفضوه ، ثم أخذوا وثنا غيره بشهوة نفوسهم ، فإذا مروا بحجارة تعجبهم ألقوا هذه ورفعوا تلك ، فعظموها ونصبوها آلهة يعبدونها ، فأمر عليه السلام أن يقول لهم : { لا أعبد ما تعبدون } اليوم من هذه الآلهة التي بين أيدكم . ثم قال : { ولا أنتم عابدون ما أعبد } أي وإنما أنتم تعبدون الوثن الذي اتخذتموه ، وهو عندكم الآن . { ولا أنا عابد ما عبدتم } أي بالأمس من الآلهة التي رفضتموها ، وأقبلتم على هذه . { ولا أنتم عابدون ما أعبد } فإني أعبد إلهي . وقيل : إن قوله تعالى : { لا أعبد ما تعبدون . ولا أنتم عابدون ما أعبد } في الاستقبال . وقوله : { ولا أنا عابد ما عبدتم } على نفي العبادة منه لما عبدوا في الماضي . ثم قال : { ولا أنتم عابدون ما أعبد } على التكرير في اللفظ دون المعنى ، من قبل أن التقابل يوجب أن يكون : ولا أنتم عابدون ما عبدت ، فعدل عن لفظ عبدت إلى أعبد ، إشعارا بأن ما عبد في الماضي هو الذي يعبد في المستقبل ، مع أن الماضي والمستقبل قد يقع أحدهما موقع الآخر . وأكثر ما يأتي ذلك في أخبار الله عز وجل . وقال : " ما أعبد " ، ولم يقل : من أعبد ؛ ليقابل به { ولا أنا عابد ما عبدتم } وهي أصنام وأوثان ، ولا يصلح فيها إلا { ما } دون { من } فحمل الأول على الثاني ، ليتقابل الكلام ولا يتنافى . وقد جاءت { ما } لمن يعقل . ومنه قولهم : سبحان ما سخركن لنا . وقيل : إن معنى الآيات وتقديرها : قل يا أيها الكافرون لا أعبد الأصنام التي تعبدونها ، ولا أنتم عابدون الله عز وجل الذي أعبده ؛ لإشراككم به ، واتخاذكم الأصنام ، فإن زعمتم أنكم تعبدونه ، فأنتم كاذبون ؛ لأنكم تعبدونه مشركين . فأنا لا أعبد ما عبدتم ، أي مثل عبادتكم ، " فما " مصدرية . وكذلك { ولا أنتم عابدون ما أعبد } مصدرية أيضا ، معناه ولا أنتم عابدون مثل عبادتي ، التي هي توحيد .


[1]:لعله عمرو بن مرة المذكور في سند الحديث (انظر ابن ماجه ج 1 ص 139 وسنن أبي داود ج 1 ص 77 طبع مصر).
[2]:في بعض النسخ: "أبي قاسم"
[3]:في بعض النسخ: "المسيي".
[16507]:استلم الحجر: لمسه بالقبلة أو باليد.
[16508]:لفظ الحديث كما في صحيح مسلم (باب الفضائل): "... أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وهو يقول: إن بني هاشم بن المغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم على بن أبي طالب، فلا آذن لهم، ثم لا آذن لهم، ثم لا آذن لهم إلا أن يحب ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي، وينكح ابنتهم، فإنما ابنتي بضعة مني، يريبني ما رابها، ويؤيذني ما آذاها" والبضعة (بالفتح وقد تكسر): القطعة من اللحم.
[16509]:البيت من أبيات المهلهل بن ربيعة قالها بعد أن أخذ بثأر أخيه كليب (راجع الشاهد العاشر بعد المائة في خزانة اّلأدب).
[16510]:البيت لجرير بن عبد الله البجلي. وقيل لعمرو بن خثارم البجلي. (راجع خزانة الأدب في الشاهد الحادي والثمانين بعد الخمسمائة).
[16511]:في حاشية الجمل نقلا عن القرطبي: ثم تعبد آلهتنا، ونعبد إلهك، فنجري على هذا أبدا: سنة وسنة، فنزلت ... الخ.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{قُلۡ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡكَٰفِرُونَ} (1)

لما أخبره في الكوثر أن العريق في شنآنه عدم ، وجب أن يعرض عنه ويقبل بكليته على من أنعم عليه بذلك ، فقال معلماً له ما يقول ويفعل : { قل } ولما كان شائنه أعرق الخلق في الضلال والبعد من الخير ، قال منادياً له بأداة البعد ، وإن كان حاضراً ، معبراً بالوصف المؤذن بالرسوخ : { يا أيها الكافرون } أي الذين قد حكم بثباتهم على الكفر ، فلا انفكاك لهم عنه ، فستروا ما تدل عليه عقولهم من الاعتقاد الحق لو جردوها من أدناس الحظ ، وهم كفرة مخصوصون ، وهم من حكم بموته على الكفر بما طابقه من الواقع ، وبما دل عليه التعبير بالوصف دون الفعل ، واستغرقت اللام كل من كان على هذا الوصف في كل مكان وكل زمان ، وإنما عبر بالجمع الذي هو أصل في القلة ، وقد يستعار للكثرة إشارة إلى البشارة بقلة المطبوع على قلبه من العرب المخاطبين بهذا في حياته صلى الله عليه وسلم ، وإشارة إلى حقارة الكافر وذلته وإن كان كثيراً ، كما يشير إليه جعل كل كلمة منها بحرف من الكوثر كما سيأتي ، وفي مناداتهم بهذا الوصف الذي يسترذلونه في بلدتهم ، ومحل عزهم وحميتهم ، إيذان بأنه محروس منهم علماً من أعلام النبوة .

وقال الإمام أبو جعفر ابن الزبير : لما انقضى ذكر الفريقين المتردد ذكرهما في الكتاب العزيز من أوله إلى آخره على اختلاف أحوال كل فريق وشتى درجاتهم ، وأعني بالفريقين من أشير إليه في قوله سبحانه وتعالى : { اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم } فهذا طريق أحد الفريقين ، وفي قوله : { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } إشارة إلى طريق من كان في الطرف الآخر من حال أولئك الفريق ؛ إذ ليس إلا طريق السلامة ، أو طريق الهلاك :{ فريق في الجنة وفريق في السعير }[ الشورى : 7 ]

{ فمنكم كافر ومنكم مؤمن }[ التغابن : 2 ] والسالكون طريق السلامة فأعلى درجاتهم مقامات الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، ثم يليهم أتباعهم من صالحي العباد وعلمائهم العاملين وعبادهم ، وأهل الخصوص منهم والقرب من أحوال من تنسك منهم ، ورتبتهم مختلفة ، وإن جمعهم جامع ، وهو قوله : { فريق في الجنة } وأما أهل التنكب عن هذا الطريق -وهم الهالكون- فعلى طبقات أيضاً ، ويضم جميعهم طريق واحد ، فكيفما تشعبت الطرق فإلى ما ذكر من الطريقين مرجعهما ، وباختلاف سبل الجميع عرفت آي الكتاب وفصلت ، ذكر كله تفصيلاً لا يبقى معه ارتياب لمن وفق ، فلما انتهى ذلك كله بما يتعلق به ، وتداولت بيانه الآي من لدن قوله بعد أم القرآن{ هدى للمتقين }[ البقرة : 2 ] إلى قوله : { إن شانئك هو الأبتر } أتبع ذلك بالتفاصيل والتسجيل فقال تعالى : { قل يا أيها الكافرون } فبين سبحانه أن من قضي عليه بالكفر والوفاة عليه لا سبيل له إلى خروجه عن ذلك ، ولا يقع منه الإيمان أبداً{ ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلاً ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله }[ الأنعام : 111 ] ولو أنهم بعد عذاب الآخرة ومعاينة العذاب والبعث وعظيم تلك الأهوال وسؤالهم الرجوع إلى الدنيا وقولهم :{ ربنا فارجعنا نعمل صالحاً غير الذي كنا نعمل }[ السجدة : 12 ] فلو أجيبوا إلى هذا ورجعوا لعادوا إلى حالهم الأول{ ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه }[ الأنعام : 128 ] تصديقاً لكلمة الله ، وإحكاماً لسابق قدره :{ أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار }[ الزمر :19 ] فقال لهم : { لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد } إلى آخرها ، فبان أمر الفريقين وارتفع الإشكال ، واستمر كل على طريقه{ فلا تذهب نفسك عليهم حسرات }[ فاطر : 8 ]

{ إن عليك إلا البلاغ }[ الشورى : 48 ] فتأمل موقع هذه السورة ، وأنها الخاتمة لما قصد في الكتاب ، يلح لك وجه تأخيرها - والله أعلم - انتهى .