ألا يظن : يتيقن ، وهو استفهام توبيخ وإنكار وتعجب من حالهم ، وعبّر بالظن لأن من ظن ذلك لم يتجاسر على أمثال هذه القبائح ، فكيف بمن تيقنه .
لرب العالمين : لأمره وحكمه وحسابه وجزائه ، والتعبير برب العالمين وقيام الناس للحساب ، مبالغات في المنع عن التطفيف وتعظيم إثمه .
ثم توعّد الله المطفّفين بقوله :
4 ، 5 ، 6- لا يظن أولئك أنهم مبعوثون* ليوم عظيم* يوم يقوم الناس لرب العالمين .
هؤلاء المعتدون ألا يخطر ببالهم أنهم مبعوثون ، ومسئولون عما يفعلون ، في يوم عظيم أمره ، شديد خطره ، حين يقوم الناس من قبورهم للحشر والحساب والجزاء ، وتنفيذ أمر الله ، فمن وفّى وفّي له ، ومن طفف وظلم أدخل نارا حامية ، أما يخاف هؤلاء يوم القيامة ، حيث يقف الجميع على أرض بيضاء عفراء ، وتقترب الشمس من الرؤوس ، ويشتد العرق حتى يصل إلى رقاب الناس ، أو يفغر أفواههم ، أما يخافون هول هذا اليوم ، وما فيه من حساب وجزاء .
قال تعالى : فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره* ومن يعمل مثقال ذرّة شرا يره . ( الزلزلة : 7 ، 8 ) .
إن مجرد الظن بالقيامة والبعث والحساب والجزاء ، جدير بأن يردع الإنسان عن تطفيف الكيل والميزان ، وظلم الآخرين والإساءة إليهم ، فما بالك إذا كان لك عين اليقين .
وقيل : الظن هنا بمعنى اليقين ، أي : ألا يوقن أولئك بالبعث في ذلك اليوم العظيم ، ولو أيقنوا ما نقصوا في الكيل والميزان ، وهذا دليل على أن التطفيف من الكبائر .
جمع الله سبحانه في هذه الآيات أنواعا من التهديد :
فقال أولا : ويل للمطفّفين . وهذه الكلمة تذكر عند نزول البلاء .
ثم قال ثانيا : ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون . وهو استفهام بمعنى الإنكار .
ثم قال ثالثا : ليوم عظيم . والشيء الذي يستعظمه الله لا شك أنه في غاية العظمة .
ثم قال رابعا : يوم يقوم الناس لرب العالمين . وفيه نوعان من التهديد :
أحدهما : كونهم قائمين مع غاية الخشوع ، ونهاية الذلّ والانكسار .
والثاني : أنه وصف نفسه بكونه ربا للعالمين .
بمناسبة تفسير قوله تعالى : يوم يقوم الناس لرب العالمين .
تكلم المفسرون عن قيام الناس بعضهم لبعض ، وفيه خلاف ، فمنهم من أجازه ، ومنهم من منعه .
وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قام إلى جعفر بن أبي طالب ، واعتنقه ، وقام طلحة لكعب بن مالك يوم تاب الله عليه ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار : ( قوموا إلى سيدكم )iv . إشارة إلى سعد بن معاذ .
وقال أيضا صلى الله عليه وسلم : ( من سرّه أن يمثل له الناس قياما فليتبوأ مقعده من النار ) . v .
وقد روى القرطبي هذه الآثار ، ثم قال : وذلك يرجع إلى حال الرجل ونيّته ، فإن انتظر ذلك واعتقده لنفسه فهو ممنوع ، وإن كان على طريق البشاشة والصلة فإنه جائز وبخاصة عند الأسباب ، كالقدوم من السفر ونحوه .
الأولى- قوله تعالى : " يوم يقوم الناس " العامل في " يوم " فعل مضمر ، دل عليه " مبعوثون " والمعنى يبعثون " يوم يقوم الناس لرب العالمين " . ويجوز أن يكون بدلا من يوم في " ليوم عظيم " ، وهو مبني . وقيل : هو في موضع خفض ؛ لأنه أضيف إلى غير متمكن . وقيل : هو منصوب على الظرف أي في يوم ، ويقال : أقم إلى يوم يخرج فلان ، فتنصب يوم ، فإن أضافوا إلى الاسم فحينئذ يخفضون ويقولون : أقم إلى يوم خروج فلان . وقيل : في الكلام تقديم وتأخير ، التقدير إنهم مبعوثون يوم يقوم الناس لرب العالمين ليوم عظيم .
الثانية- وعن عبد الملك بن مروان : أن أعرابيا قال لي : قد سمعت ما قال الله تعالى في المطففين ، أراد بذلك أن المطففين قد توجه عليهم هذا الوعيد العظيم الذي سمعت به ، فما ظنك بنفسك وأنت تأخذ أموال المسلمين بلا كيل ولا وزن . وفي هذا الإنكار والتعجيب وكلمة الظن ، ووصف اليوم بالعظيم ، وقيام الناس فيه لله خاضعين ، ووصف ذاته برب العالمين ، بيان بليغ لعظم الذنب ، وتفاقم الإثم في التطفيف ، وفيما كان في مثل حاله من الحيف ، وترك القيام بالقسط ، والعمل على التسوية والعدل ، في كل أخذ وإعطاء ، بل في كل قول وعمل .
الثالثة- قرأ ابن عمر : " ويل للمطففين " حتى بلغ " يوم يقوم الناس لرب العالمين " فبكى حتى سقط ، وامتنع من قراءة ما بعده ، ثم قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( يوم يقوم الناس لرب العالمين ، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، فمنهم من يبلغ العرق كعبيه ، ومنهم من يبلغ ركبتيه ، ومنهم من يبلغ حقويه ، ومنهم من يبلغ صدره ، ومنهم من يبلغ أذنيه ، حتى إن أحدهم ليغيب في رشحه كما يغيب الضفدع{[15846]} ) . وروى ناس عن ابن عباس قال : يقومون مقدار ثلاثمائة سنة . قال : ويهون على المؤمنين قدر صلاتهم الفريضة . وروي عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يقومون ألف عام في الظلة ) . وروى مالك عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يوم يقوم الناس لرب العالمين حتى إن أحدهم ليقوم في رشحه إلى أنصاف أذنيه ) . وعنه أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( يقوم مائة سنة ) . وقال أبو هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم لبشير الغفاري : ( كيف أنت صانع في يوم يقوم الناس فيه مقدار ثلثمائة سنة لرب العالمين ، لا يأتيهم فيه خبر ، ولا يؤمر فيه بأمر ) قال بشير : المستعان الله .
قلت : قد ذكرناه مرفوعا من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنه ليخفف عن المؤمن ، حتى يكون أخف عليه من صلاة المكتوبة يصليها في الدنيا ) في " سأل سائل{[15847]} " [ المعارج : 1 ] . وعن ابن عباس : يهون على المؤمنين قدر صلاتهم الفريضة . وقيل : إن ذلك المقام على المؤمن كزوال الشمس ، والدليل على هذا من الكتاب قول الحق : " ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون " [ يونس : 62 ] ثم وصفهم فقال : " الذين آمنوا وكانوا يتقون " [ يونس : 63 ] جعلنا الله منهم بفضله وكرمه وجوده . ومنه أمين . وقيل : المراد بالناس جبريل عليه السلام يقوم لرب العالمين . قاله ابن جبير . وفيه بعد ؛ لما ذكرنا من الأخبار في ذلك ، وهي صحيحة ثابتة ، وحسبك بما في صحيح مسلم ، والبخاري والترمذي من حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم " يوم يقوم الناس لرب الله العالمين " قال : ( يقوم أحدهم في رشحه إلى نصف أذنيه ) . ثم قيل : هذا القيام يوم يقومون من قبورهم . وقيل : في الآخرة بحقوق عباده في الدنيا . وقال يزيد الرشك : يقومون بين يديه للقضاء .
الرابعة- القيام لله رب العالمين سبحانه حقير بالإضافة إلى عظمته وحقه ، فأما قيام الناس بعضهم لبعض فاختلف فيه الناس ، فمنهم من أجازه ، ومنهم من منعه . وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قام إلى جعفر بن أبي طالب واعتنقه ، وقام طلحة لكعب بن مالك يوم تيب عليه . وقول النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار حين طلع عليه سعد بن معاذ : ( قوموا إلى سيدكم ) . وقال أيضا : ( من سره أن يتمثل له الناس قياما فليتبوأ مقعده من النار ) . وذلك يرجع إلى حال الرجل ونيته ، فإن انتظر ذلك واعتقده لنفسه ، فهو ممنوع ، وإن كان على طريق البشاشة والوصلة فإنه جائز ، وخاصة عند الأسباب ، كالقدوم من السفر ونحوه . وقد مضى في آخر سورة " يوسف " {[15848]} شيء من هذا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.