تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{۞وَلَوۡ رَحِمۡنَٰهُمۡ وَكَشَفۡنَا مَا بِهِم مِّن ضُرّٖ لَّلَجُّواْ فِي طُغۡيَٰنِهِمۡ يَعۡمَهُونَ} (75)

63

75 - وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِم مِّن ضُرٍّ لَّلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ .

لج في الأمر : تمادى فيه .

يعمهون : يتحيرون ويترددون في الضلال .

لقد غلب عليهم العناد ، وغلبت على طبيعتهم المكابرة ، فإن أصيبوا بالقحط والبلاء لم تلن قناتهم ، ولم يتضرعوا إلى ربهم ، ولو أسبغنا عليهم واسع رحمتنا ، وأزحنا عنهم الضر لما آمنوا بالقرآن ، ولما انقادوا له ، ولتمادوا في ضلالهم ، ولاستمروا على كفرهم وعنادهم وطغيانهم ، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد دعا عليهم فقال : ( اللهم اشدد وطأتك على مضر ، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف )xxiii .

وقد حقق الله دعاء نبيه ، فأصاب أهل مكة القحط والجوع ، فجاء أبو سفيان إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسأله صلة الرحم ، والشفقة بأهل مكة ، وكتبت قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تقول له : ألست تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين ، فقد قتلت الآباء بالسيف ، والأبناء بالجوع ، وأنك تأمر بصلة الرحم ، وإنك قد قطعت أرحامنا .

وكان ذلك قبل الفتح بقليل ، وكان ثمامة بن أثال الحنفي قد أسلم ، وتسبب في منع الميرة من اليمامة إلى أهل مكة حتى أضربهم الجوع ، وأكلت قريش العلهز – وهو طعام يؤكل في المجاعة من الدم والوبر ، ويطلق أيضا على القراد الضخم – فكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى ثمامة – رضي الله عنه - : ( خل بين قومي وبين ميرتهم ) . ففعل ، وقد نزلت الآية الكريمة ، لتبين أن كشف الضر عنهم ، بسعي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكتابته إلى ثمامة ، لن يؤثر في قلوبهم المريضة ، بل سيستمرون على عنادهم وطغيانهم وكفرهم ، وسيظلون متحيرين مترددين .

قال تعالى : وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ . ( الأنفال : 23 ) .