تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَقَالُواْ لَوۡ شَآءَ ٱلرَّحۡمَٰنُ مَا عَبَدۡنَٰهُمۗ مَّا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنۡ عِلۡمٍۖ إِنۡ هُمۡ إِلَّا يَخۡرُصُونَ} (20)

15

المفردات :

يخرصون : يكذبون .

التفسير :

20- { وقالوا لو شاء الرحمان ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون } .

ذكرنا أن هؤلاء الكفار أخطأوا خطأ مركبا :

( أ ) فقد جعلوا لله ولدا .

( ب ) واختاروا له الصنف الأضعف .

( ج ) وجعلوا الملائكة -وهم عباد مكرمون ، لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون- جعلوهم إناثا .

( د ) وادعوا كذبا أن الله أراد منهم ذلك ، ولو شاء لمنعهم من عبادتهم .

وقد كان العرب يصورون الأصنام ، التي هي على صور الملائكة ، ويدعون أنها بنات الله ، ويدعون أن الله عالم بذلك ، وهو يقرهم على هذا العمل ولو شاء لمنعهم .

فجمعوا بين أنواع كثيرة من الخطأ ، ذلك أن الله أرسل الرسل ، وأنزل الكتب ، وأرشد البشرية إلى عبادته وحده سبحانه لا شريك له .

قال تعالى : { وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون } . ( الأنبياء : 25 ) .

وقد أعطى الله كل إنسان العقل والإرادة والاختيار ، وجعل سلوكه سببا في تحمله المسئولية يوم القيامة ، فلا يجوز إلقاء المسؤولية على مشيئة الله تعالى .

وقريب من ذلك قوله سبحانه تعالى : { وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آَبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ( 28 ) قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ( 29 ) فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ ( 30 ) } . ( الأعراف : 28-30 ) .

وقال تعالى في هذه الآية :

{ ما لهم بذلك من علم . . . }

ليس لهم في قولهم دليل ولا برهان ولا معرفة ، بما ينبغي لجلال الله وقدره ، من عبادته وحده لا شريك له .

{ إن هم إلا يخرصون } .

ما هم إلا كاذبون فيما قالوا ، متمحلون تمحلا باطلا ، متقولون على الله ما لم يقله .

قال القرطبي في تفسير الآية :

{ وقالوا لو شاء الرحمان ما عبدناهم . . . }

وهذا منهم كلمة حق أريد بها باطل ، فكل شيء بإرادة الله ، والمشيئة غير الرضا ، ولا يصح الاحتجاج بالمشيئة ، فإنهم لو عبدوا الله بدل الأصنام ، لعلمنا أن الله أراد منهم ذلك . اه .

وقال الشوكاني في تفسير الآية :

{ وقالوا لو شاء الرحمان ما عبدناهم . . . }

معناه أن الكفار قالوا : لو شاء الرحمان في زعمكم أيها المؤمنون ، ما عبدنا هذه الملائكة ، وهذا كلام حق يراد به باطل ، لأنهم يريدون بذلك أن الله راض عن عبادتهم للأصنام .

{ ما لهم بذلك من علم . . . }

وزعموا أنه إذا شاء فقد رضى .

{ إن هم إلا يخرصون } .

أي : ما هم إلا يكذبون فيما قالوا ، ويتمحلون تمحلا باطلا ، فإن الله خلق المؤمن والكافر ، وهو يحب المؤمن ، ويبغض الكافر ، والله يأمر بالحق والإيمان والخير ، ولا يرضى لعباده الكفر .