فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَقَالُواْ لَوۡ شَآءَ ٱلرَّحۡمَٰنُ مَا عَبَدۡنَٰهُمۗ مَّا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنۡ عِلۡمٍۖ إِنۡ هُمۡ إِلَّا يَخۡرُصُونَ} (20)

{ وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ } هذا فن آخر من فنون كفرهم بالله جاؤوا به للاستهزاء والسخرية ، ومعناه لو شاء الرحمن في زعمكم عدم عبادة الملائكة ما عبدنا هذه الملائكة ، فاستدلوا بنفي مشيئته عدم العبادة على امتناع النهي عنها ، أو على حسنها ، وذلك باطل لأن المشيئة ترجيح بعض الممكنات على بعض ، مأمورا كان أو منهيا ، حسنا كان أو غيره ، وبالجملة هذا كلام حق يراد به باطل ، وقد مضى بيانه في الأنعام ، وتعلقت المعتزلة لظاهر هذه الآية في أن الله لم يشأ الكفر من الكافر ، وإنما شاء الإيمان ، فإن الكفار ادعوا أن الله شاء منهم الكفر ، وما شاء منهم ترك عبادة الأصنام فرد الله عليهم قولهم واعتقادهم ، وبين جهلهم بقوله :

{ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ } أي بما قالوه من أن الله لو شاء عدم عبادتهم للملائكة ما عبدوهم { مِنْ عِلْمٍ } بل تكلموا بذلك جهلا ، وأرادوا بما صورته صورة الحق باطلا ، وزعموا أنه إذا شاء فقد رضي . وقيل : الإشارة بذلك إلى قوله { وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا } قاله قتادة ومقاتل والكلبي ، وقال مجاهد وابن جريج أي ما لهم بعبادة الأوثان من علم ثم بين انتفاء علمهم بقوله :

{ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ } أي ما هم إلا يكذبون فيما قالوه ويتمحلون تمحلا باطلا ، قال هنا { يَخْرُصُونَ } وفي الجاثية { يظنون } ، هذا كذب فناسبه الخرص وما هناك صدق مخلوط بالكذب فناسبه الظن .