الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَقَالُواْ لَوۡ شَآءَ ٱلرَّحۡمَٰنُ مَا عَبَدۡنَٰهُمۗ مَّا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنۡ عِلۡمٍۖ إِنۡ هُمۡ إِلَّا يَخۡرُصُونَ} (20)

{ وَقَالُواْ لَوْ شَآءَ الرحمن مَا عبدناهم } هما كفرتان أيضاً مضمومتان إلى الكفرات الثلاث ، وهما : عبادتهم الملائكة من دون الله ، وزعمهم أن عبادتهم بمشيئة الله ، كما يقول إخوانهم المجبرة ،

فإن قلت : ما أنكرت على من يقول : قالوا ذلك على وجه الاستهزاء ، ولو قالوه جادين لكانوا مؤمنين ؟ قلت : لا دليل على أنهم قالوه مستهزئين ، وادعاء ما لا دليل عليه باطل ، على أن الله تعالى قد حكى عنه ذلك على سبيل الذم والشهادة بالكفر : أنهم جعلوا له من عباده جزءاً ، وأنه اتخذ بنات وأصفاهم بالبنين ، وأنهم جعلوا الملائكة المكرمين إناثاً . وأنهم عبدوهم وقالوا : لو شاء الرحمن ما عبدناهم ، فلو كانوا ناطقين بها على طريق الهزء : لكان النطق بالمحكيات - قبل هذا المحكى الذي هو إيمان عنده لو جدّوا في النطق به - مدحاً لهم ، من قبل أنها كلمات كفر نطقوا بها على طريق الهزء ؛ فبقي أن يكونوا جادين ، وتشترك كلها في أنها كلمات كفر ، فإن قالوا : نجعل هذا الأخير وحده مقولاً على وجه الهزء دون ما قبله ، فما بهم إلا تعويج كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، لتسوية مذهبهم الباطل . ولو كانت هذه كلمة حق نطقوا بها هزءاً لم يكن لقوله تعالى : { مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } [ الزخرف : 20 ] معنى ، لأنّ من قال لا إله إلا الله على طريق الهزء : كان الواجب أن ينكر عليه استهزاؤه ولا يكذب ، لأنه لا يجوز تكذيب الناطق بالحق جادّاً كان أو هازئاً .

فإن قلت : ما قولك فيمن يفسر ما لهم - بقولهم : إن الملائكة بنات الله - من علم إن هم إلا يخرصون في ذلك القول لا في تعليق عبادتهم بمشيئة الله ؟ قلت : تمحل مبطل وتحريف مكابر . ونحوه قوله تعالى : { سَيَقُولُ الذين أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء الله مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَىْء كذلك كَذَّبَ الذين مِن قَبْلِهِمْ } [ الأنعام : 148 ] .