تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{خَٰشِعَةً أَبۡصَٰرُهُمۡ تَرۡهَقُهُمۡ ذِلَّةٞۖ وَقَدۡ كَانُواْ يُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ وَهُمۡ سَٰلِمُونَ} (43)

34

خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلّة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون .

يحشر هؤلاء المشركون في حالة من الذلة والمهانة ، منكسرة أبصارهم ، تغشاهم المهانة والندامة والمذلّة والحسرة ، وقد كانوا يدعون إلى طاعة الله وشرعه في الدنيا ، وهم سالمون أصحاء معافون متمكنون من السجود فلا يستجيبون كبرا وإعراضا وأنفة من الاستجابة للحق ، لذلك عوقبوا بعدم قدرتهم عليه في الآخرة .

روى أنه كلما أراد أحدهم أن يسجد خرّ لقفاه على عكس السجود ، بخلاف ما عليه المؤمن .

أخرج البخاري ، ومسلم وغيرهما ، عن أبي سعيد قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة ، ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة ، فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقا واحدا )xi .

وقد أورد الحافظ السيوطي في كتابه ( الدر المنثور في التفسير بالمأثور ) طائفة من روايات هذا الحديث في الصحيحين وفي كتب السنن .

وأنكر ذلك سعيد بن جبير ، فقد سئل عن الآية : يوم يكشف عن ساق . . . فغضب غضبا شديدا ، وقال : إن أقواما يزعمون أن الله سبحانه يكشف عن ساقه ، وإنما يكشف عن الأمر الشديد ، وعليه يحمل ما في الحديث ، وقد أورد ذلك الآلوسي في تفسيره ، )جزء 29 ، ص 35 ) .

وأرى أن الحديث صحيح ، وارد في الصحيحين وفي كتب السنن ، والسلف يقولون في المتشابه من الآيات والأحاديث : نؤمن بها كما وردت ، ونفوّض المراد منها إلى الله تعالى .

والخلف يقولون : يجب تأويلها على معان تليق بذات الله تعالى .

وكان الإمام الشافعي رضي الله عنه يقول : ( إذا صح الحديث فهو مذهبي ، واضربوا بقولي عرض الحائط ) .

ومن إعجاز القرآن الكريم أن الآية قد يكون لها معنى ، وتشير إلى معنى ، وتستتبع معنى .

والآية الكريمة : يوم يكشف عن ساق . . . تحتمل المعنى المجازي ، ويمكن فهمها على المعنى الحقيقي ، ولنا أن نأخذ برأي السلف فنقول : نؤمن بها كما وردت ونفوّض المراد منها إلى الله تعالى ، ولنا أن نأخذ برأي الخلف في أن كشف الساق كناية عن الشّدة والهول ، والله أعلم .

ختام سورة القلم